المسألة الّتي نعرض لها اليوم هي مسألة عقليّة شائعة يمثّلها بعض الأفراد الّذين يدخلون الحزب السّوريّ القوميّ الإجتماعيّ يتوهّمون أنّ أعظم القضايا ستقضى بسرعة البرق. فلا تمضي بضعة أشهر حتّى يروا حوادث عظيمة تجري أمام أعينهم فلا يغمضونها ويفتحونها مدّة، حتّى يتحقّقوا أن الحالة السّياسيّة أو الإجتماعيّة أو الحربية قد تغيّرت تمامًا.
من هؤلاء الأفراد عدد غير قليل يجهل جهلاً تامًا الحالة العامّة ومتطلباتها وشؤون التّنظيم وصعوباته ومقتضياته، ولا يحسنون غير الكلام والتّعليق والإنتقاد والإعتراض على المقرّرات والسّفسطة بكلّ ضروبها. إنّهم قد تعوّدوا هذه الخصال السّيّئة في بيئة الفوضى والتّقلقل وعهد الإنحلال النّظاميّ. ولعدم تأدّبهم في أيّ أمرٍ من الأمور الإجتماعيّة أصبحوا يظنون أنّ طبيعة الأمور الإجتماعيّة والسّياسيّة هي الفوضى، فكلّ محاولة تأديب نظاميّ وإخضاع للنظام تُعَدّ عندهم محاولة طغيان وحرمان لهم من آرائهم وحقوقهم. وإذا قيل لهم مثلاً، أنّه لا يجوز للأفراد التّدخّل في شؤون الإدارة العليا قالوا: هه! هل نحن هنا لنساق سوقًا ولا يكون لنا من الأمر شيء؟ هذه نتيجة الفوضى الّتي عاشوا فيها والجهل بالأنظمة الإجتماعيّة وبقيام الأمم وعلاقة الصّلاحيات بالمسؤوليّة. فهم يجهلون أنّه متى فوّض الشّعب الأمر أو السّلطة إلى فردٍ أو مجلسٍ دائمًا كان أو لمدةٍ معيّنةٍ، إمتنع على الأفراد الّذين لم يفوّض إليهم الشّعب شيئًا التّدخّل في أيّ شأنٍ من الشؤون والأعمال المتعلقة بصلاحيات صاحب السّلطة. ويجهلون أيضًا أنّ الوظائف لها حدود لا تتجاوزها وأنّ الأوامر الإداريّة العليا الصّادرة وفاقًا للقانون لا يمكن للمأمورين منعها أو توقيفها أو إلغاؤها من تلقاء أنفسهم.
هم يجهلون أنّ أيّ تصرّف من هذا النّوع الشّاذّ هو تمرّد على إرادة المجموع الّتي يقوم بها النّظام وإحتقار لهذه الإرادة. فإذا خاطبوا الزّعيم مثلاً، لم يخطر لهم أنّهم يخاطبون الحزب السّوريّ القوميّ الإجتماعيّ كلّه بإعتبار أنّ الزّعيم “قائد قوّاته الأعلى ومصدر السّلطتين التّشريعيّة والتّنفيذيّة”. إنّ فكرة النّظام وقواعده بعيدة جدًا عن أفهامهم. ولذلك يتوهّمون أنّ الزّعيم ليس سوى فرد مثلهم، فإذا تدخّلوا في شؤون عمله فإنّما هم يتدخّلون في شؤون فردٍ ويجب أن لا يصعب على هذا الفرد أن يتدخّل أيّ من شاء في خططه وتدابيره ومراسيمه وقراراته. ولا يهمهم أن يفهموا أنّ وراء هذا شخصيّة الحزب العامّة وإرادته وأنّه ليس وراءهم هم غير شؤونهم الفرديّة الخصوصيّة وأنّه ليحقّ لهم التّدخّل في شؤون الزّعامة يجب أن يحصلوا على تفويض حزبيّ عام بذلك.
هذه الحالة فاشية في الجيل السّوريّ الحاضر بسبب إنتشار الفوضى فيه أجيالاً متعاقبة بلا إنقطاع. والحزب السّوريّ القوميّ الإجتماعيّ ورث هذه الحالة الّتي يعالجها بنظامه وتأديبه، والنّظام بطبيعته قاسٍ وشديد، وإلا بطل أن يكون نظامًا. إنّه قواعد مقرّرة لتسيير المجموع أو الجماعة، وكلّ خروج عنها أو عليها هو خروج عن إرادة المجموع أو عليها.
“الزوبعة”، بيونس آيرس، عدد 60، 15 شباط 1943
الآثــــار الكاملــــة الجـــزء 11