(الحلقة الثانية)
في النصف الثاني من القرن الثامن عشر يذكر ” شارل – جوزيف دولين ” – هو مارشال نمساوي – مجري – قائلاً :
” اعتقد أن اليهودي غير قادر على الاندماج في المجتمع وسوف يشكّل دائماً أمةً داخل أمة ، أينما يكون . وفي رأيي ، فإن أبسط شيء يمكن القيام به هو إعادة اليهود الى وطنهم الذي أُخرجوا منهُ ” .
وهنا يتبيّن لنا جليّاً الصلة بين الأفكار التأسيسية للصهيونية وبين ” مُعاداة السّامية ” التي كانت سائدة في أوروبا .
( سيكون لنا في الحلقات القادمة تدليلٌ على مسألة الاندماج المجتمعي سيما نظرة ” البرت أينشتاين ” لهذا الموضوع وكيف تبدّلت رؤيته من العلمانية المُطلقة والإنتماء الشوفيني لألمانيا الى تعصبٍ يهودي بامتياز وكيف ساهم بدعم إسرائيل في المراحل اللاحقة ) .
وفي الفترة ذاتها يكتبُ المؤلف والسياسي الفرنسي الشهير
” فرانسوا – رينيه دو شاتوبريان ” جملتهُ الخطيرة :” اليهود هم المعلّمون الشرعيون ليهوذا ” وهنا يقصد يهوذا الاسخريوطي وقد ألهمت كلماته تلك نابليون بونابرت ، الذي كان يأمل المساعدة من اليهود الموجودين في فلسطين ، في مسعاه لاحتلال الشرق الأوسط مطلع القرن التاسع عشر ، حيث وعدهم ” بالعودة الى فلسطين ” وبإنشاء دولة لهم .
وهكذا ، فإن الصهيونية كما نرى من سياقات الأحداث، كانت مشروعاً استعمارياً مسيحياً ( ديني الجوهر ) قبل أن تصبح مشروعاً يهودياً ( جوهرهُ تلمودي ).
لكن ، لم يكن لهذه المخططات أن ترى نجاحاً قبل أن تحظى بتأييد الولايات المتحدة الأمريكية، ففي الوقت نفسه الذي تبنّى فيه البروتستانت في أوروبا هذه الآراء ، ظهرت أفكار مماثلة على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي حيث صرّح الرئيس الأمريكي ” جون آدمز ” قائلاً :” آمل حقاً أن يعود اليهود مجدداً الى أرض يهودا كأمة مستقلة ” .
وتحقيقاً عملياً ، لكل تلك الآراء والتحضيرات يصعد نجم من صٌنّف لاحقاً ” بعرّاب العقيدة الصهيونية ” هو لورد
” شافتسبري ” سياسيٌ ومصلح بريطاني بارز ، كان ناشطاً في الدعوة الى إقامة وطن يهودي في فلسطين ، حيث استخدم حُججاً دينيةً واستراتيجية ليبرر تعزيز الوجود البريطاني في فلسطين .
فهذا المزيج الخطير ، من التعصب الديني والحماسة الاصلاحية سوف تنتقل من جهود شافتسبري الى إصدار وعد بلفور 1917 . وقد أدرك شافتسبري حينها أن دعم عودة اليهود ليس كافياً ، بل يتعيّن على بريطانيا مساعدتهم على نحو فعّال خلال حقبتها الاستعمارية الأولى وشدد على أنه ينبغي تقديم الدعم المادي لليهود كي يسافروا الى فلسطين الخاضعة للحكم العثماني ، وقد تمكّن شافتسبري من إقناع مركز الأسقفية والكاتدرائية الإنجليكانية في القدس بتوفير التمويل الأولي لهذا المشروع .
وكيل عميد الإذاعة في الحزب السوري القومي الاجتماعي مكرم العريضي.