هل هي حرب أم ابادة جماعية؟
كل من يراقب ما يحصل في غزة ويرى الدول “المتقدمة” تمارس سياسة غض النظر، يتسائل أين الانسانية و الديمقراطية التي يتغنى بها الغرب.
غزة تحت وطأة الحصار الكامل الذي تفرضه إسرائيل المحتلّة، والتي أفضت الى زجّ السّكان في دوّامة غير مسبوقة من الحرمان والفقر المتعدّد الأبعاد، وبالتّالي الى كارثة إنسانيّة وطنيّة على كافة المستويات. وإن دلّ هذا على شيء ٍ فإنّما يدلّ على شناعة هذا العدوّ الغاشم الذي يطبّق لشهره السادس على التّوالي، فنون التّدمير والسّحق والحرق الممنهج والإبادة الجماعيّة لشعبٍ باسلٍ مقاوم. وليس اكثر فظاعة من فداحة الخسائر في الأرواح، وهوْل أعداد الجرحى وفقدان الأرواح البريئة والقدرات البشريّة العظيمة والبنى التحتيّة الا التعتيم الاعلامي عن هذه الابادة الجماعية.
وأمام هذا الوضع السّاخن، وحسب معلومات من مصادر على إضطلاع وثيق على الحرب على غزة، هذه الحرب مستمرة حتّى تحقيق أهداف استغلاليّة ومصالح مشتركة للدّول الكبرى. وتؤكد هذه المصادر الغربية بأنّ هذه الحرب الشّعواء وإن كان لها نهاية، لن تكونَ قبل نهاية الصيف المقبل وقد تمتد الى بداية السنة القادمة.
فالخلافات تستفحل وما زال سقف الحلّ غير قابل للتّحقيق الأمر الذي يعزّز استمرار الحرب ضمن أفق مفتوح، فبعد التّدمير المكثّف والإجتياح والعمل على الفصل بين شمال القطاع من جهة ووسطه وجنوبه من جهة أخرى، والضّم الصّامت للضّفة الغربيّة من خلال تسريع عمليّة تهويد الجغرافيا والديمغرافيا في تلك المنطقة استكمالاً لتحقيق قيام اسرائيل الكبرى من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسّط ..
في وقتنا الحالي, لا بدّ من الإضاءة على أنّ إسرائيل الّتي كانت منذ بداية الحرب مدعومة من معظم الدّول الغربية، نراها الآن قد خسرت معظم صداقاتها بعد مجازرها المتواصلة ممّا يشكّل لها أسوأ تهديد وجودي على الإطلاق فلم يبق لها سوى أميركا وبريطانيا كداعمتين وذلك لتطلّعاتٍ مستقبليّةٍ تفيد مصالحهم المشتركة. هذه أحد نتائج الحرب المدمرة للكيان الصهيوني.
يُقال ويُقال ويُعاد مراراً كلام محمود درويش:”ستنتهي الحرب .. ويتصافح القادة”
كما في جميع الحروب هنالك تحرك دبلوماسي يوازي العمليات العسكرية ولا تختلف الحرب على غزة عن باقي مسار الحروب. مع الحديث الاعلامي عن حراك دبلوماسي الا أن هنالك حراك دبلوماسيّ أكثر جدية “تحت الطاولة” تقوده كل من قطر و المملكة العربيّة السّعوديّة تجاه القضيّة الفلسطينيّة. هذه المبادرة المدعومة أميريكياً، تعيد إحياء مسار السّلام، على أساس حلّ الدولتين وفق قرارات شرعيّة ورعاية ومواكبة للمسار التّفاوضي، يقوم على أساس دولتين تعيشان جنباً إلى جنب كحلٍّ للصّراع الحاصل.
في هذا الصّدد, ورغم معارضة الكثير له، يبدو ذلك الحلّ القائم وسيبصر النور بداية السنة القادمة، وفْق نفس المصادر الغربية، وهذا الحل هو الأنسب وسيكون متواجداً عاجلاً أم آجلاً مع لفت النّظر بأنّه ليس ذلك بالأمر السّهل ولكنّه ليس بالأمر المستحيل لأنّ إسرائيل وكعادتها, لن تقدّم مثل هكذا تنازلات, ولكن متى وجدت الإرادة والرّؤية الدّوليّة من طرف القوى المعنيّة والفاعلة بالاستقرار يصبح ذاك الحلّ ممكناً أيّاً كانت العراقيل على طريقه.
سيبصر هذا الرّسم النور قريباً، ولكنّه لن يأخذ شكل التّرسيمة الحدوديّة لعام 1967 بل يجري العمل بصمت على حدود جديدة ترضي اسرائيل وتكون مقبولة فلسطينياً. بمحاذاة هذا القرار، سيظهر في الواجهة مجدّداً اسم الأسير مروان البرغوثي، السّياسي الفلسطيني البارز، وبدأ في القاعات المغلقة التي تؤسس لحل الدولتين أطلاق لقب مانديلا فلسطين على مروان البرغوثي إسوة بالمناضل المناهض للعنصريّة في جنوب أفريقيا. مروان البرغوثي الإسم الذي يتردّد مع كلّ صراع بين الطّرفين منذ عقود برأي الكثير، هو أمل السّلام المغيّب في سجون الاحتلال.
يؤكد مصدر دبلوماسي غربي انه إذا ما قدّر لفكرة حل الّدولتين أن ترى النّور يوماً، فمن غير البرغوثي يمكنه قيادة هكذا مشروع؟ وهذا ما تتبناه العديد من الفصائل الفلسطينيّة المتمسّكة بالقضيّة.
برأي بعض الفصائل الفلسطينيّة، هذا المناضل الذي تابع من خلف القضبان مسيرته التّعلميّة والنّضالية والسّياسيّة سيصبح يوماً ما شخصيّة توافقيّة، يمكنها أن تجمع بين مختلف القوى السّياسيّة في فلسطين الدّاخل والخارج على السّواء. فالأسير القابع في سجون الاحتلال، هو الاسم السّاخن لنهاية الحرب، بات قاب قوسين أو أدنى من نيْل حرّيته بحسب مصادر هذه المقالة، فمع تحريره تكون الولايات المتحدة الأميركيّة قد حققت حلمها بنقل الشّرق الأوسط من مكانٍ مليء بالحروب إلى منطقة إقتصاديّة مزدهرة. هنا لا بدّ من التّنويه بأنّ هذا الكرم الأخلاقيّ من قبل صديق العدوّ، ليس محبّة بالدّول العربيّة وإنّما لضمان الاستمرار الوجوديّ لاسرائيل. وهذا القلق المسيطر، والتّهديد بزوال هذه الغدّة السّرطانيّة، يفقد أميركا صوابها بل يجعلها تأخذ قرارات مصيريّة متسرّعة، من أجل أن تضمن هيمنتها ونفوذها في الشّرق الأوسط.
كل تلك السيناريوهات المذكورة , يبقى بطلها الفلسطيني وحده. هو الذي يجب أن يقرّر من يحكمه على أرضه المحتلّة . وإلى أن يحدث ذلك .. بالإنتظار.
وفي الختام، هذه الحرب الدّمويّة التي قد تمتدّ لسنة مع عشرا ت الآلاف من الضّحايا، إلى أين ستصل؟ من المنتصر؟ ما هي الخطط والخطوات المقبلة لها ؟ متى ستزول الدّولة المحتلة ليعود أبناء الوطن لديارهم؟
كلّ تلك التّساؤلات والإشكاليات تطرح عند الرّأي العام العالميّ على أمل السّلام والأمان للعالم أجمع بعيداً عن حبّ السّيطرة والقتال الّذي يذهب ضحيته أبرياء فقط لا غير.
يقول الحاخام اليهودي موشيه فريدمان: إن ما تقوم به إسرائيل والولايات المتحدة بحق الفلسطينيين في قطاع غزة يمثل .”عملية إبادة غير مسبوقة” مؤكدا أن على الدول القادرة التدخل بالقوة لوقف هذه المجزرة