“اليوم التالي” في المفهوم الاسرائيلي

تتعدد السيناريوات لنهاية حرب غزة فيما اصطلح على تسميته بـ “اليوم التالي”، وهذا المصطلح الذي قد لا يثير أسئلة المتابع العادي يحمل في طياته معنى مضمرا و”خبيثا”. بكل بساطة “اليوم التالي” بحسب الفهم الاميركي والغربي عموما هو اليوم الذي يلي تحقيق” إسرائيل” أهدافها من الحرب على غزة، وهي الاهداف التي تقول بلسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو وزمرة المجرمين المتطرفين في الكيان الصهيوني انها تتمثل في القضاء على “حماس” وتحرير الاسرى الاسرائيليين المحتجزين لديها وتأمين المستوطنات الاسرائيلية في شمال غزة.
لكن مجريات الحرب تؤكد ان اليوم التالي في المفهوم الاسرائيلي هو أكثر من ذلك، لا تريد “إسرائيل” انهاء وجود حركة “حماس” فحسب، بل تريد انهاء القضية برمتها عبر انهاء غزة في مرحلة اولى ثم الانقضاض على الضفة الغربية في حرب مماثلة. ما تقوم به دولة الاحتلال هو ازالة غزة من الوجود بعمرانها ومؤسساتها واقتصادها وبناها التحتية وبشعبها. وهي ترفض اي عودة لأهل شمال القطاع الى مناطقهم، حتى وهي مدمرة، هدفها واضح هو جعل الحياة مستحيلة في القطاع وتنفيذ الترانسفير بأي شكل من الأشكال، فاذا لم يكن بالقوة حاليا بسبب رفض مصر فتح حدود سيناء واستقبال النازحين الواقعين تحت رحمة القذائف والصواريخ، فبالهجرة والتهجير مستقبلا عبر الحصار والتجويع ومن العمران والحركة وحجب الاموال ومنع وصول المساعدات وفرض طوق أمني ومضايقات يومية وعمليات اذلال واعتقال وتعذيب وقتل.
ترفض “اسرائيل “بعناد فظ عشرات المطالبات اليومية من الامم المتحدة وأمينها العام ومن الاتحاد الاوروبي ومن الولايات المتحدة ورئيسها الذي فتح خطا مباشرا للأسلحة الفتاكة والاموال من بلاده الى مرافئ “اسرائيل “ومطاراتها، بوقف النار او انجاز هدنة موقتة، وحتى تسهيل وصول المساعدات الى الجائعين والمرضى، ونتنياهو ما زال مصرا على وحشية حربه التي ارتفعت ضدها أصوات كثيرة حتى داخل الحلف المؤيد “لإسرائيل “في الولايات المتحدة نفسها.
يتغطرس نتنياهو ولا يرد حتى على زعيم الدولة الحاضنة لكيانه الغاصب، وفيما يزعم انه رئيس حكومة دولة ديموقراطية تأتي قيادتها بالانتخابات، ردا على الرئيس العجوز جو بايدن الذي بدأ يرفع صوته قليلا في وجهه، يرسل وزير دفاعه الى واشنطن من أجل المزيد من السلاح المتطور والمال.
بالعودة الى سيناريوات الحرب في غزة و”اليوم التالي”، فقد لا يكون هذا اليوم كما تريده اسرائيل والتحالف غير المعلن الداعم لها في حربها على غزة. فماذا لو فشلت اسرائيل في اقتحام رفح، او تأخرت في ذلك كثيرا؟ وماذا لو ارتكبت في اجتياحها رفح مجازر لن يستطيع المجتمع الدولي تحمل وحشيتها وهذا امر مؤكد نظرا الى الكثافة الهائلة للنازحين الى رفح وعدم وجود مخرج للهروب، ونظرا الى التاريخ الاجرامي للجيش الاسرائيلي وتجاربه السابقة في هذا المجال منذ 1948 حتى اليوم في فلسطين وفي لبنان أيضا وفي غيرهما. وماذا لو تطورت الاوضاع الى انفجار اوسع في المنطقة؟ وماذا لو ارتفعت الضغوط المتصاعدة على اسرائيل من دول كثيرة، لا سيما من اميركا والاتحاد الاوروبي؟ وماذا لو انفجرت اسرائيل سياسيا من الداخل؟ سلسلة من الاسئلة تواجه اسرائيل المصرة على اقتحام رفح والمضي في حرب ابادة الشعب الفلسطيني، لأن نتنياهو وزمرته يعتقدون بأن لا وجود لشعب فلسطيني وان هؤلاء الملايين الثمانية لا يستحقون الحياة. عقيدة توراتية خرقاء لا يمكن ان تكون صدرت عن إله.
معبر جدا ما نشرته مجلة “أيكونومست” الدولية عن واقع إسرائيل ومستقبلها في ضوء استمرارها في التصعيد في حرب غزة. واختارت المجلة لصورة غلافها علما اسرائيليا باليا مرفوعا على عصا تكاد تسقط من شدة الرياح وفي الخلفية مباني غزة المدمرة وكلمتين: “إسرائيل وحيدة. ورأت المجلة في مقال مطول أن الخيار الأفضل لإسرائيل هو وقف موقت لإطلاق النار، ما يمهد الطريق لإجراء محادثات حول حل الدولتين!!!