يطل علينا الأمين ادمون ملحم، كما عودنا، بنتاج فكري جديد يؤنس العقل ويشفي الروح. فمن معين أمة حية و فيض فكر نير نهل الأمين الدكتور إدمون فاستفاض بحثاً و درساً وانتاجاً أحاط بسعاده وفكره و عقيدته من كل النواحي.
“البقاء و الارتقاء” او Survival and Revival” ” كتاب صادر عن مؤسسة سعاده للثقافة يقع في 149 صفحة من الحجم المتوسط ويتضمن مجموعة من مقالات ودراسات كان الكاتب قد أعدّها ونشرها باللغة العربية في جريدة البناء.
يقول الكاتب في تقديمه أن صلب هذا الكتاب هو تفصيل و شرح لعقيدة سعاده القومية الاجتماعية في رحلة فكرية معرفية تتناول كل نواحي فكر سعادة و شخصيته وفلسفته.
تنطلق رحلة البحث من محطته الأولى وهي معرفة سعاده الانسان، لنتعرف على تلك الشخصية الفذة الفريدة بأبعادها. فيحاول الكاتب إماطة اللثام عن سر نبوغ فتى أنجبته هذه الامة من رحم ويلاتها فصيّرها أمة تصبو اليها الأمم. يغوص ملحم في ثنايا شخصية سعادة ليفنّد أبعادهها ، فيكشف خصائص البعد التأسيسي و الفكري الفلسفي والعلمي والأدبي و القيادي. وهي أبعاد قلما تجتمع في شخص واحد، مما يظهر عظمة هذا لانسان ورقيه الفكري و المناقبي.
ينتقل بنا ملحم الى المحطة الثانية التي خصصها للبحث في التفكير العقلاني الراقي لدى سعاده، التفكير الذي حدا به الى طرح اسئلة فلسفية بدءاً بالوجود الإنساني ومثله العليا وعن معنى الحياة وهدفها مستخدماً المنهج العلمي و التحليل المنطقي و البحث العلمي للإجابة عنها.
أما المحطة الثالثة، فيخصصها الباحث لتسليط الضوء على سعاده المعلم القدوة، سعاده الذي أتانا بالتعاليم المناقبية الرامية الى بناء مجتمع موحد قائم على الوحدة الروحية والوعي القومي نصرة للحق وسحقاً للباطل. تلك التعاليم التي، كما يقول ملحم، أحيت في النفوس الرغبات السامية و الايمان البطولي الذي جسده سعاده في كل مفصل من مسيرة حياته فكان التجسيد الأسمى للبطولة المؤيدة بصحة العقيدة على رمال بيروت صبيحة الثامن من تموز.
في بحثه المستفيض عن الاخلاق القومية و معناها و دورها في حياة الأمة يقول الدكتور إدمون إن “الأخلاق القومية الصحيحة في عرف سعاده ليست أفكاراً مجردة أو صوراً شعرية يتغنى بها الشعراء، بل هي قيم مناقبية جميلة تفيض بها النفوس و تنهض بها الأمم والقوميات”. ويرى أن دورها يكمن في أنها “القوة الروحية المحركة للصراع من أجل تحقيق الغايات السامية وتحويل الممكن إلى واقع”.
ويخلص الى أن هناك صراعاً قائماً بين عقليتين متناقضتين منذ نشوء الحركة القومية الاجتماعية وهما العقلية الأخلاقية القومية والعقلية الأخلاقية التي تحمل المثالب، ففيما تسعى الأولى الى التجدد والرقي وإثبات حق الأمة في الحياة و الحرية و التفوق، ترمي الثانية الى التمسك بالتخلف و الرجعية والغوص في الحزبيات الدينية و الأدران الطائفية والنزعة الفردية، وأن العقلية الغالبة في هذا الصراع هي التي سوف ترسم مستقبل هذه الأمة وتحدد موقعها بين الأمم.
وقد اختار الأمين إدمون موضوع الفلسفة المدرحية ليكون المحطة الأخيرة في رحلة هذا الكتاب حيث يسهب فيعرض مرتكزاتها وخصائصها قائلا ” والمدرحية ليست فلسفة غريبة، مستوردة من العالم الخارجي أو مقتبسة من فلسفاته العصرية المتنوعة، بل هي فلسفة أصلية نبتت في تربة البيئة السورية بجذور عميقة في التاريخ ونمت شامخة في الحياة تعطي من ثمارها أفكاراً صالحة تغذّي العقول ومناقب سامية تهذّب النفوس”.
ينطلق الأمين إدمون من سعادة الانسان ليصل الى سعاده الفيلسوف ملقياً الضوء على كل مفاصل نبوغه وعلى أسلوبه العلمي المنطقي إلى مناقبيته وقوميته الاجتماعية، لذا فإن هذا الكتاب يشكل مرجعاً غنياً للطامحين إلى دراسة فكر سعاده والاطلاع على فلسفته ومفاهيم النظرة الجديدة الى الحياة المتجسدة في الحركة القومية الاجتماعية التي شكلت مشروعه الانقاذي لسورية.