تواصلا مع إثارة النقاش مجددا حول عدد من الكتب الإشكالية ذات الصلة بواقعنا الراهن، نلقي الضوء على كتاب الشيخ الأزهري علي عبد الرازق الذي كان أقرب إلى العلمانية وفصل بسبب ذلك من الأزهر.
الإسلام وأصول الحكم
لعل كتاب الشيخ الأزهري المصري، علي عبد الرازق (الإسلام وأصول الحكم) أهم مراجعة فكرية من قلب (الخطاب الإسلامي) فيما يخص (الحاكمية ودحضها (رسالة لا حكم ودين لا دولة).
وتعود فكرة الكتاب الذي صدر عام 1925 إلى رد الشيخ علي عبد الرازق على محاولة الملك فؤاد وراثة (الخلافة العثمانية) بعد أن ألغاها أتاتورك في تركيا، وذلك بالإضافة لمحاولات الملك إلحاق الأزهر برمته لسلطته واستخدامه لإضفاء بعد مطلق استبدادي على هذه السلطة. وقد رد الملك على موقف عبد الرازق بمحاكمته وإخراجه من هيئة كبار العلماء.
أولاً: في الخلافة وطبيعتها وحكمها
يعيد عبد الرازق مفهوم الخلافة إلى قول لأبي بكر (أنا خليفة رسول الله ولست خليفة الله).
ويناقش المذاهب السائدة إزاء ذلك من زاويتين: الأولى أن الخليفة يستمد سلطانه من سلطان الله، والثانية من سلطان الأمة، أما في حكم الخلافة فينطلق من النص (ما فرطنا في الكتاب من شيء) حيث لا تجد في القرآن والسنة ذكراً للخلافة أو الإمامة.
ويلفت الشيخ عبد الرازق الانتباه إلى أنصار (الخلافة) آنذاك مثل رشيد رضا ومرجعيته في ذلك (ابن حزم). ويعد رضا الأب الروحي لجماعة الإخوان المسلمين، كما اتهمه خصومه بالتعامل مع الإنجليز والمحافل الماسونية المصرية (أوراق حزب التحرير الإسلامي).
ومما يضيفه عبد الرازق على (مخاطر) هذه الدعوة ارتباطها بالقوة والغلبة وتاريخ طويل من الصراع الداخلي الدموي بين المسلمين، ومن أمثلة ذلك كما يقول استباحة يزيد بن معاوية لدم أهل المدينة وقصف الكعبة ودم الحسين بن فاطمة، كما صار أبو العباس (سفاحاً) بسبب هذا الصراع، ومثله الصراع بين الملك الصالح نجم الدين الأيوبي واخوته… الخ.
ثانياً: الحكومة والاسلام
يبدأ عبد الرازق ملاحظاته إزاء هذه العلاقة بالتمييز بين الرسالة والملك، فالرسالة مقام والملك مقام آخر. وما كان محمداً إلا رسولاً لدعوة دينية خالصة للدين لا تشوبها نزعة ملك ولا دعوة لدولة.
ويرى الشيخ عبد الرازق أن لقب خليفة (رسول الله) كان سبباً من أسباب الخطأ الذي تسرب إلى عامة المسلمين، وكان من مصلحة السلاطين أن يروجوا ذلك الخطأ بين الناس حتى يتخذوا من الدين دروعاً لحماية سلطانهم.
وينتهي عبد الرازق إلى التأكيد على أن الخلافة ليست في شيء من الخطط الدينية، كلا ولا القضاء ولا غيرهما، من وظائف الحكم ومراكز الدولة. وكذلك تدبير الجيوش الإسلامية وعمارة المدن والثغور ونظام الدواوين إنما يرجع الأمر فيها إلى العقل والتجريب، وما من حرب جرت لأسباب دينية، بل كانت حرباً سياسية صرفه ومنها حرب المرتدين. وبالمجمل، فالإسلام رسالة لا سلطة ودين لا دولة.