الجزء الثالث:
“أدوات وأساليب انتصار أهداف النهضة (جدلية الصراع)
عطفا على ما أوردناه في الجزء السابق، في سياق عرض واقع الأمة السورية، إضافة إلى ما ذهب إليه سعاده من وضع خطط لقيام نهضة قومية اجتماعية جديدة، حدد لها أهدافها الأساسية وفق التالي:
أولاً: نهضة تكفل تصفية العقائد القومية وتوحيدها.
ثانياً : توليد العصبية Esprit de Corps الضرورية للتعاون القومي.
ثالثاً : الدفاع عن مصالح الأمة وحقوقها، وجعلها موحدة وصاحبة
السيادة على نفسها.
إذا كان سعاده قد حدد الخطوط العريضة للنهضة القومية الاجتماعية، فإنه في الوقت عينه رأى أنه لا بد من خلق كيان منظم في شكله وأساسه ومهمته، ليكون وسيلة انتصار القضية القومية المتمثل لتحقيق أهداف النهضة القومية الاجتماعية، فكان أن أنشأ الحزب السوري القومي الإجتماعي. فقد ورد في كتابه إلى محاميه حميد فرنجية يقول: “وجدت أن لا بد لي من إيجاد وسائل تؤمن حماية النهضة القومية الإجتماعية الجديدة في سيرها. ومن هنا نشأت فيّ فكرة إنشاء حزب سري يجمع في الدرجة الأولى عناصر الشباب النزيه البعيد عن المفاسد المنحطة. فأسست الحزب السوري القومي الاجتماعي، ووحدت فيه العقائد القومية في عقيدة واحدة هي: “سورية للسوريين والسوريون أمة تامة” ووضعت مبادئ الحية الإصلاحية، كفصل الدين عن الدولة، وجعل الإنتاج أساس توزيع الثروة… وإيجاد جيش قوي ذي قيمة فعلية في تقرير مصير الأمة والوطن…”
واضح من الكلمة أعلاه، أن سعاده أراد أن تكون وسيلة تأمين حماية النهضة القومية الإجتماعية هي حزب، أو ما كان يطلق عليها أحياناً (الوسيلة) اسم (حركة)، كدليل على طبيعة الحزب النهضوية المعبرة عن حركة حياة المجتمع.
ولسوف نقارب موضوع الأداة – الشق الأول من عنوان هذا الجزء من البحث – وفق المنهجية التالية:
أولا : في التعريف:
إن الحزب السوري القومي الإجتماعي هو كيان عقدي – تنظيمي – بشري – يرتكز إلى مبادئ هي قواعد النهوض القومي الاجتماعي في سورية، “وغايته بعث نهضة سورية قومية إجتماعية تعيد للأمة حيويتها وقوتها، وتحقق إستقلالها وتثبت سيادتها، وتقيم نظاما جديدا يؤمن مصالحها ويرفع مستوى حياتها، ويسعى لإنشاء جبهة عربية، (المادة الأولى من الدستور) والحزب إضافة إلى ذلك، ” هو نظام يستمد قوته من القومية الجديدة (الخطاب المنهاجي 1-6-1935)
وهو تجسيد لإرادة أمة في السيادة على نفسها وعلى وطنها كهدف أسمى – (الخطاب المنهاجي)
والحزب هو قوة المبدأ لأجل قوة الشعب (الخطاب المنهاجي)
الحزب هو دولة الأمة السورية مصغر.
الحزب هو أصل الإرادة القومية السورية، وتحررها وفعلها الحر.
الحزب فكرة وحركة تتناولان حياة أمة بأسرها.
الحزب بوتقة احرار، حرروا أنفسهم من السيادة الأجنبية. وبقي أن يحرروا أمتهم ووطنهم كاملين (من الخطاب المنهاجي – 1 – 6 – 1935)
الذي يقف على هذه المجموعات من التعريفات المتعلقة بالحزب السوري القومي الاجتماعي، يظهر له بوضوح المسائل التالية:
الحزب أسس لنشوء الإرادة القومية السورية: وهذا الإنشاء جاء ترجمة للمبادئ التي ارتكز عليها، المبادئ التي تشكل الأساس الفكري – للقضية القومية الإجتماعية – الإرادة المناط بها مهمة انتصار القضية القومية الإجتماعية.
الحزب الذي هو فكرة وحركة، هو حالة صراع نضالية نهضوية
مفتوحة، هو اقتران الفكرة بالنضال، بالحركة، بمسار لا يتوقف
لأنه يطال امة بأسرها، أمة بما هي عليه من معطيات سلبية
وإيجابية، وبما تصبو له من تحرر وسيادة..
ج- الحزب هو قوة المبدأ لأجل قوة الشعب، والحق، إذا هذا
التعريف، أبرز دور الحزب الصراعي النهضوي، المتجسد في
ترجمة الفكرة (المبادئ) سلوكا ومفاهيم وإنتصارات في
الشعب وللشعب، عدت له في الوصول إلى هدف بسط
السيادة وإقامة الحياة القومية المثلى المرتكزة على قيم
الحق والخير والجمال في ظل السفارات الأربعة:
حرية واجب نظام قوة.
د- الحزب دولة الأمة السورية المصغرة: ليس الحزب حزبا
سياسيا عاديا، لا من جهة مبادئه ولا من جهة نظامه المنبثق
من دستوره، الذي هو دستور دولة وليس دستور حزب،
وبالتالي، فإن هذا الحزب سيبقى هو ذاته دولة الأمة السورية
مصغرة حتى يتم للحزب إنشاء الدولة السورية القومية على
التراب السوري، فيصبح الحزب هو حزب الدولة السورية القومية،
حزب الأمة السورية المنحققة.
ه- الحزب هو بوتقة أحرار… بطبيعة الأمر فإن الحزب السوري
القومي الإجتماعي لن يكون حزب الأمة السورية الصراعي
المناضل النهضوي، إلا إذا كان بوتقة لأحرار، حرروا أنفسهم
وبقي ان يحرروا أمتهم، وهذه العملية التحريرية، عملية
صراعية مفتوحة بوجه كل المعوقات، وذات بعد نهضوي
بإمتياز.
كل هذه المسائل أتت مصداقا لما قاله سعاده عن مصار الحركة الصهيونية بقوله: ” رغما عما تقدم، ومن أن الحركة الصهيونية
دائرة على غير محور طبيعي، تقدمت منه الحركة تقدما لا يستهان به، فإجراءاتها سائرة على خطة نظامية دقيقة، إذا لم تقم في وجهها حركة نظامية أخرى معاكسة لها كان نصيبها النجاح، ولا يكون ذلك غريبا بقدر ما يكون تخاذل السوريين كذلك، إذا تركوا الصهيونيين ينفذون مآربهم ويملكون فلسطين. (الأعمال الكاملة – جزء أول – ص 109) دار سعاده للنشر، فالخطة النظامية الدقيقة الذي دعى إلى تأسيسها (في1- شباط – 1925) كانت الحزب السوري القومي الإجتماعي الذي أسسه بعد سبع سنوات في بيروت.
من خلال ذلك، رسمت معادلة الصراع، الذي لا يتحكم فقط في مستقبل القومي، بل يتحكم في مستقبل البشرية، نظرا لما للحركة الصهيونية من امتدادات دولية، سواء في المصالح أو الثقافة او السياسة…
إنها حرب الحزب السوري القومي الاجتماعي، حزب النهضة القومية الاجتماعية، الحركة القومية الإجتماعية التي ما كانت إلا لمحاربة المخططات الصهيونية حربا شاملة سواء على كامل الرقعة الأرضية، ام على مستوى ميادين الصراع، وفي مختلف المستويات.
ثانياً: في الأهداف:
يكفي أن نقف على الأهداف الأساسية للحركة السورية القومية الإجتماعية ونحن في سياق البحث في مضمون جدلية الصراع بين أهداف الحركة السورية القومية الإجتماعية وبين المعوقات التي تواجهها وبخاصة، المعوقات النفسية. وأنه لا بد من أن نقف عند موضوع ضرورة فهم أهداف الحركة وأسسها: يقول سعاده:
“إذا لم نفهم أهداف الحركة وأسسها والقضايا والمسائل التي تواجهها، لم نكن قادرين على فعل شيئ في سبيل الحركة والعقيدة والغاية التي اجتمعنا لتحقيقها”. (المحاضرات العشر – المحاضرة الأولى – ص 12)
فما هي الأهداف الأساسية التي تفيدها الحركة القومية الإجتماعية جوهرا لها؟ وبالعودة إلى المادة الأولى من الدستور، والتي تنص بشكل واضح ودقيق، على الغاية والأهداف التي نشأ الحزب السوري القومي الإجتماعي بغاية خلقها وتحقيقها.
حينما تقول: “وغاية (الحزب) بعث نهضة سورية قومية اجتماعية تكفل تحقيق مبادئه وتعيد الى الأمة السورية حيويتها وقوتها – وتنظيم حركة تؤدي إلى إستقلال الأمة السورية استقلالا تاما، وتثبت سيادتها وإقامة نظام جديد يؤمن مصالحها، ويرفع مستوى حياتها، والسعي لإنشاء جبهة عربية”.
لقد لخصت المادة الأولى من الدستور غاية الحزب بست غايات أخرى.
الأولى : بعث نهضة سورية قومية إجتماعية.
الثانية : أن تكون هذه النهضة كافلة تحقيق المبادئ.
ثالثة : أن تستعيد الأمة السورية حيويتها وقوتها.
رابعة : أن توجد حركة شعبية وتنظيمها بغاية تحقيق استقلال
الأمة السورية وتثبيت سيادتها.
خامساً : إقامة نظام جديد، نظام العدل الاجتماعي الحقوقي،
ونظام العدل الإقتصادي – الحقوقي، تحصينا لوحدة
الشعب وتمكينا له من توظيف الثروة القومية في سياق
نهوضه وتقدمه ورفاهه.
سادساً : أن يسعى الحزب الى إقامة جبهة عربية، تشكل مع الأمة
السورية جبهة لمواجهة كل الأخطار والأطماع التي تقع
على سورية والعالم العربي.
ويعود سعاده فيحدد للحركة القومية الإجتماعية اهدافا هو يعتبرها تجسيدا وتعبيرا عن الذات القومية الاجتماعية ونظرتها الى الوجود. فيقول في الأهداف.
“إيجاد مجتمع جديد، نيّر في هذه البلاد، وإيصال هذه النظرة الى كل مكان.” (المحاضرات العشر – المحاضرة الأولى – ص 12)
ويعود ليحدد تفصيلا الهدف القومي الإجتماعي الذي يتعلق بالسيادة القومية وحق السوريين في خيرات بلادهم: فيقول:
” ان الحركة القومية الاجتماعية، تعمل وتحارب لتأمين الأرض السورية، ووحدة مواردها – لكم وإعطائكم حق العمل وحق النصيب منه…” (المحاضرات العشر – المحاضرة الأولى – ص 129)
في الحلقة القادمة، سوف نستكمل الأهداف القومية الإجتماعية ونعرض بالتالي الى المعوقات.