الأطماع العثمانية ومخاطرها في حلب والجزيرة السورية

خلال الحرب الكونية الموجهة ضد سوريا كان للعثماني الجديد الحصة الأكبر في عمليات النهب المنظم التي تعرضت لها مدينة حلب والشمال السوري ، فمع بداية العام 2012 وبعد سقوط حلب في أيدي عملاء تركيا نتيجة الدعم العسكري والمادي الكبير لهذه الجماعات الارهابية وذلك لأهمية هذه المدينة الاقتصادية والجغرافية فقد تمت عملية سرقة منظمة لمعامل ومصانع المدن الصناعية في حلب وخاصة مدينة الشيخ نجار الصناعية والتي تقع شمال شرق حلب ومنطقة معامل الشقيف ، مما أدى الى خسارة حلب لكامل بنيتها التحتية الصناعية ، فقد تم تفكيك هذه المصانع بكامل معداتها وبنيتها التحتية من قبل خبراء ومهندسين أتراك ونقلها الى تركيا ، وقد تميزت هذه المعامل بالجودة العالية عالميا والتي استطاعت أن تصل بمنتجاتها الى أسواق أوروبا والعالم العربي وقدر عدد المعامل الكبيرة التي تمت سرقتها بأكثر من ألف مصنع تنوع انتاجها بين صناعات غذائية ودوائية ونسيجية وكهربائية وزراعية وقد بلغت الخسائر المادية من خلال سرقة هذه المعامل لأكثر من 100 مليار دولار و تمت عملية السرقة المنظمة من خلال شركات تركية تابعة لحكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم وبتسهيل وحماية من الاستخبارات التركية ((MIT وتورط مقربين من الرئيس “أردوغان” وبالأخص شركة (أوزفادار) المملوكة لرجل الأعمال التركي “مراد أوزفادار” المقرب من الرئيس التركي “أردوغان” ، هذا ما صرح به الصحفي التركي “سردار أكينان” على قناة (KRT) التركية المعارضة .
أما على صعيد الغزو العسكري التركي المباشر فقد قامت هذه القوات باحتلال مناطق شاسعة تضم العديد من القرى والمدن في مناطق عدة من محافظات حلب والرقة والحسكة شمالا” بحجة تأمين منطقة آمنة للاجئين بعمق 30 كلم أو محاربة الارهاب أو دعم الفصائل المسلحة المناوئة للحكومة في دمشق ، بالإضافة الى محاربة حزب العمال الكردستاني (PKK) وقوات (قسد) لتشكل في هذه المناطق شكلا” سياسيا” منفصلا” وكيانا” مستقلا” يخضع لحكم المجالس المحلية والادارة العسكرية التركية وتعمل القوات التركية الى عزل هذه المناطق في محاولة منها لضمها الى تركيا وقد صرح وزير الداخلية التركي “سليمان صويلو” في العام 2019 (أن شمال سوريا هو جزء من الوطن التركي) ، وتقدر مساحة هذه المناطق التي تم الاستيلاء عليها بحوالي 9000 كم/مربع ، لتضم أكثر من 1000 بلدة ومدينة منها (عفرين . تل أبيض. رأس العين. الباب. اعزاز. جرابلس. دابق. جنديرس. راجو. شيخ الحديد ) وقد سعت الى ربط هذه المناطق بتركيا ومولت التعليم والخدمات الصحية والاقتصاد وهي محاولة ( تتريك ) لهذه المناطق وقد شنت القوات التركية العديد من العمليات العسكرية كان بدايتها عملية “درع الفرات” وذلك في العام 2016 حيث احتلت خلالها مدينة عزاز وجرابلس والباب وتهجير العديد من سكانها بعد تدمير مدينة الباب تدميرا كاملا” ، وفي العام 2018 قامت بعملية عسكرية اطلقت عليها “غصن الزيتون” والتي سيطرت خلالها على مدينة عفرين بالإضافة لبلدة راجو والشيخ حديد و بلدة جنديرس وكان الزيتون أول ضحايا العملية اذ إن سهول وجبال منطقة عفرين الخصبة هي الأرض التي تنتج أفضل أنواع زيت الزيتون ، وقد أدى هذا الغزو الى نزوح وتهجير الآلاف من السكان وعائلاتهم الى الأطراف الشمالية لمدينة حلب وقامت خلال هذه العملية العسكرية بسرقة الآلاف من أشجار الزيتون المعمرة ونقلها الى تركيا بالإضافة الى محصول الزيتون وزيت الزيتون وبيعها في الاسواق الاوروبية بعلامات تجارية تركية وشهادة منشأ تركي ، وحسب موقع “صحيفة بابليوك الإسبانية” الإلكترونية فإن الحكومة التركية تستخدم عددا” من الشركات الوسيطة لتصدير الزيت الذي يتم الاستيلاء عليه من الفلاحين في عفرين الى أسبانيا ، ونقلت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية عن نائب في البرلمان السويسري قوله : “إن تركيا تقوم بسرقة زيت الزيتون من سوريا وبيعه في الأسواق الأوروبية على أنه من انتاج تركي ، وفي العام 2019 قدر انتاج منطقة عفرين من الزيت270 الف طن ، هذا ما أعلنه موقع BBC)) الاخباري ، وقدرت كمية الزيت المسروقة من منطقة عفرين وحدها بحوالي 100 الف طن وباقي الكمية من الانتاج تم شرائها من قبل التجار الأتراك من مزارعي منطقة عفرين بثلث ثمنها ، وكان قد صرح وزير الزراعة التركي في العام 2019خلال جلسة البرلمان التركي حول موازنة العام “أننا في الحكومة نريد أن نضع أيدينا على موارد عفرين بطريقة أو بأخرى” ، وفي العام 2019 قامت القوات والمخابرات التركية بعملية “نبع السلام” العسكرية احتلت خلالها مناطق شمال حلب والرقة وقامت بتدمير عشرات القرى والبلدات مما أدى الى نزوح الآلاف من العائلات من المنطقة وانتقالهم الى اطراف مدينة حلب ، وأيضا” في العام 2022 قامت بعملية “المخلب” والتي ما زالت مستمرة الى الآن عملت خلالها على شن هجمات جوية على مدن وبلدات عديدة شمال مدينة الحسكة و القامشلي وشمال الرقة والمالكية والدرباسية أقصى شمال شرق الجزيرة وامتد القصف لمسافة يقدر طولها بحوالي 500 كم وعمق 40 كلم استهدفت خلالها حقول النفط ومحطات الكهرباء والطرق والبنى التحتية والخدماتية والاقتصادية ، وتعد المناطق التي تسيطر عليها تركيا متعددة اثنيا” فهنالك التركمان والعرب والأكراد واليزيديون والشركس والسريان والآشوريون مما أدى الى فرار ونزوح أعداد كبيرة من السكان الى مناطق بعيدة عن مناطقهم يقدر عددهم بحوالي 500,000 لاجئ لتتعرض بلداتهم ومدنهم وأراضيهم ومحاصيلهم للسلب والنهب ومن بقي منهم للاعتقال والخطف والابتزاز والاذلال ، نستطيع القول أنها محاولة تغيير ديموغرافي وتطهير عرقي وابادة جماعية من قبل القوات والمخابرات التركية الغازية والمحتلة وعملائها مع بناء ما لا يقل على ستة قواعد عسكرية كبيرة ، ومنذ العام 2019 تقوم القوات التركية ببناء جدار اسمنتي عازل يحيط بالعديد من المدن مع تجريف للأراضي الزراعية وهدم للمنازل واقتلاع لأشجار الزيتون ، وهي محاولة فصل هذه البلدات عن باقي الأراضي السورية تجهيزا” لضمها الى تركيا ،
مشروع تتريك المنطقة.
(اذا أردت أن تقتل شعبا” فما عليك سوى قتل ثقافته وتاريخه ، لأن الشعب الذي لا يعرف ثقافته وتاريخه هو كالإنسان الفاقد لذاكرته وانتمائه ) لذلك تقوم القوات التركية بإجبار السكان في هذه المدن والبلدات المحتلة على تعلم اللغة والثقافة التركية والتعامل اقتصاديا” بالعملة التركية لربطها اقتصاديا” وثقافيا “بتركيا وكذلك قامت بتغيير أسماء العديد من البلدات والمدن والمعالم الهامة الى أسماء تركية ، مع فرض التعليم بالمدارس باللغة التركية وافتتاح فروع للمعاهد والجامعات التركية في هذه المدن والبلدات والقرى ,بالإضافة الى ربطها بشبكة الهاتف والكهرباء والمياه والخدمات التركية ، وقد سيطرت تركيا بالكامل على التعليم مع تعديل جميع المناهج التعليمية والدراسية بما يتناسب مع الثقافة والتاريخ التركي و ضمت العديد من المدن والبلدات الى ادارة “ولاية هاتاي” ، وتعيين حاكم تركي مدني للمنطقة وموظفين أتراك للعمل في الشؤون المدنية والادارية ، وفرض الهويات التركية المؤقتة على السكان .
لا يسعنا الا ان نتذكر تحذير أنطون سعادة الذي كان قد حذر من الخطر التركي في العديد من المقالات وفي مقال له في جريدة النهضة العام 1937 قال فيه: “إن الأتراك قد أخذوا منذ الآن يحسبون الاسكندرون السورية تركية ويوثقون علاقاتهم القومية بها حتى أنهم أطلقوا عليها اسما” تركيا” جديدا”، ولم يكتفوا بذلك، بل هم يتطلعون الآن الى ما أمام الاسكندرون الى حلب ثم الجزيرة” .