الشاعرة الدكتورة مي حنا سعاده

البيت الجديد-
ديوان : أوراق العمر

شوقي لرؤياكمْ أَيا شُهداءُ
قد جاءَ بي، إِنَّ اللقاءَ رجاءُ
أَنِقُولا قد مرَّتْ سنونٌ أَربَعٌ
ما زُرتَ أُمَك، والبعادُ جفاءُ
مهما بَعُدتَ، فأَنتَ أَقربُ مُؤنسٍ
لي، عندما تَجتاحُني الأَنواءُ!
إِنْ ضاقَ صدري، أَو عَطِشتُ وحيدةً
للروحِ أَنتَ هواؤها والماءُ!
أَو شَفَّني بردُ الشتاءِ وقرصُه
فَبِنَارِ تلك الذكرياتِ شِفَاءُ!
**
أَنَعِمْتَ بالبيتِ الجديدِ؟ تَجمَّعتْ
أَبطالُ نهضتِنا به، الشهداءُ
فكأَنه الحصنُ المنيعُ تُنيرُه
وتَشعُّ فيه زوابعٌ حمراءُ!
**
كيفَ انقضى العيدُ السعيدُ عليكُمُ؟
وتلأْلأتْ أَشجارُه الخضراءُ
قد زرتُهُمْ، فإذا نيامٌ كلُّهمْ
هجعَ الصباحَ الباكرَ الأَبناءُ
فرجعتُ، لَمْ أُوقظْهمُ، وتركتُهمْ
في البابِ تنطقُ وردةٌ خرساءُ
**
يا ((صَخْريَ)) النائي المقيمَ بلهجتي!
أَحسِبتَ أَني صخرةٌ صمَّاءُ؟
سأَطوفُ في البيتِ الجديدِ، وأَنثني
أَتلو القصيدَ كأَنيَ ((الخنساءُ))!

*كتبت بعد الزيارة الأولى لضريح شهداء الكورة الواحد في 26/12/1976

عدنَا-
أوراق العمر

عُدنا، فأَظلَمَ وَجْهُ مَنْ قدْ أَقْسَما
أَنْ لَنْ نعودَ، وأَنْ نزولَ ونُحرَما
عُدْنا 《نقولا》 بعدَ خمسةِ أَشهرٍ
كان اللقاءُ عليَّ يا ابني مُحَرَّما!
إِنْ زرتُ قبرَكَ، أَمْ حُجِبْنا فَتْرةً
ظلَّ الشهيدُ على الدَوَامِ مُكَرَّما!
**

ذُدْنا عن البلدِ الحبيبِ كرامَةً
لنصونَه مِمَّنْ تآمَرَ مُجْرِما
فإذا الحضارَةُ عندَهُمْ، يا ويحَهمْ
نهبٌ وحرقٌ، وانتهاكُ أَعزّ ما!
إن هدَّموا يا ابني البيوتَ فقدْ بَنَى
شهداؤنا صَرْحاً يطولُ الأَنْجُما!
ولنا قصورُ كرامةٍ، وعقيدةٌ
تعلو وتشمخُ، فَهْيَ لَنْ تَتَهدّما!
قدْ دنَّسوا يا ابني المسيحَ وأُمَّه
هَدَموا المساجدَ واستباحوا الأَعظَمَا
يا خجلةَ التاريخِ! ماذا كاتبٌ
عنهمْ؟ عن الإِشعاعِ، عن نورٍ سما؟
**

يا رافعاً رأسي إلى أَعلى الذُرى
فدَّيتَ ((لُبْنَاناً)) لكي لا يُقْسَمَا!
اللهُ أَكبرُ! كيفَ ظلَّ مُوَحَّداً
تقسيمُه قد كانَ أَمْراً مُبْرَمَا!
فدماؤكُمْ لم تجرِ غُفْلاً أَو سُدَى
ثمنُ البلادِ وفخرُها تِلكَ الدِما!
**

يا أَعطفَ الأَبناءِ، أَقْرَبَهم إلى
أُمٍ تذوقُ مِنَ الفِراقِ العَلْقَما!
أَينَ الوعودُ بأَنْ تَظَلَّ بقُربِها

ترعى الحِمَى وتذودُ يا حامي الحِمى
أَينَ الوعودُ بأَنْ تظلَّ صديقها

وأَنيسَها وحبيبَها المُتَبَسّما
ضاعَ الرجاءُ بأَنْ يَشِعَّ بهاه

نوراً اذا ما الليلُ حوليَ أَظْلَمَا!
يا أَشجعَ الأَبطالِ لَبَيْتَ النِدا
عِشْ فب الجِنَانِ معَ الرفاقِ مُنَعَّما
إني خَسِرْتُكَ في خلودِك إِنما
من كلّ قوميٍّ ليَ ابنٌ قد نما!
**
*كتبت عند العودة الى الكورة بعد سقوطها بخمسة أشهر ليجدوها مدمرة و منهوبة

ماذا فعلت؟- أوراق العمر

ماذا فعلتَ بنا أَيا آذارُ؟
أينَ الربيعُ الحلوُ والأَطْيارُ؟
كمْ قدْ قَسَوْتَ بِنا، وكم روَّعتَنا؟
بردٌ، صواعقُ، ظُلْمةٌ، أَمْطارُ!
هدَّمتَ دوراً، واستَبَحْتَ دروبَنا
قطَّعتَ أَسلاكاً، فحارَ حوارُ!
خبَّأْتَ شمسَك، فاختبأنا مذْ بدا
ذاك الوشاحُ الأَبيضُ الجرَّارُ!

وأَنا بصومعتي، تُداعِبُ راحتي
كُتْبي وقد جَمَدتْ بها الأَشعارُ!
والنَبْضُ أَجْلَدَ في عروقِ حروفِها
بَرْداً، فكيفَ يُحِسُّه السُمَّارُ؟
قد كانَ قلبي قد تَعَرَّضَ مثلَها
لكنَّ في القلب الشهيدَ النارُ!
**
عيدانِ لي، آذارُ فيك! لأُمتي
عيدٌ، ولي عيدٌ له المشوارُ
فكمِ انتظرتُ؟ العمرُ ولَّى هارِباً
مني أَذارُ، وإنني أَختارُ!
لا، لا أَبوحُ، أَخافُ مِنْكَ تُذيعُها
في صدر ((ميّ)) تُسجنُ الأَسرارُ
نورٌ على نورٍ يَشع بِعيده
ترنو إلى قنديله الأَبصارُ!
**
شهرَ الزعيمِ بكلّ عيدٍ حافزٌ
لنا للْنِضالِ فتسقطُ الأَسوارُ!
لِلْحقّ، للخيرِ العميمِ وللجمالِ
وللْهدايةِ والعطا مدرارُ!
حيِّ الزعيمَ الرائدَ العَلَمَ الذي
من فِكرِه تَتَلأْلأُ الأَنوارُ
الثائرَ الحيَّ المعبّدَ دربَنَا
عِزّاً، عليه تسابقَ الثوَّارُ!
**
شهداؤُنا همُ في حِماكَ كواكبٌ
عَكَسوا ضياءَك في السما فأَناروا
ثِقْ يا ((سعاده)) إنَّ حزبَك فاعلٌ
حَمَلَ الرسالةَ بعدَك الأَنصارُ!
*كتبت بمناسبة عيد ميلاد الأمين عبدالله سعاده في 17/3/1980

نبذة عن حياتها:

الدكتورة مي سعادة، من مواليد أميون ـ الكورة 19/9/1916 والدها المربي المقدسي حنا سعادة (معري أميون) وأمها ملكة مبارك.هي زوجة الرئيس الأسبق للحزب الأمين الراحل عبدالله سعادة ووالدة كل من: الدكتور حنا، الشهيد الرفيق نقولا، الأمين سليم والدكتورة ليلى.
تخرجت طبيبة من من الجامعة الأميركية في بيروت 1940 ومتخصصة في أمراض النساء والتوليد 1942 وكانت أول فتاة في لبنان تحمل هذا الإختصاص مارست الطب حتى العام 2001.
شاعرة ولها ديوانين منشورين: الأول: “أوراق العمر” وأهدته إلى إبنها الشهيد نقولا سعادة، الثاني: “لست وحدي”، ولها كتاب ثالث “مشوار العمر بين الطب والسياسة والشعر”.
كانت الى جانب زوجها الدكتور الأمين عبدالله سعادة، يوم زارهما الزعيم في منزلهما خلال جولة له على مدينة طرابلس متفقدًا الفروع الحزبية، وألقت كلمة ترحيب به:
وقفت الى جانب زوجها الأمين عبدالله سعاده في الظروف الصعبة، والتحديات التي واجهت الحزب والقوميين، وتميزت بصلابة الارادة، ومضاء العزيمة.
اعتقلت أثناء الثورة القومية الثانية، وتم سجنها ووضعت بالإنفراد. وبعد خروجها من السجن بدأت بإطلاق حملة مدنية للدفاع عن المعتقلين القوميين وأقامت الإعتصامات في بكركي والكثير من المناطق للتضامن معهم واعتبارهم معتقلين سياسيين.
أرسلت لزوجها الأمين عبدالله سعادة في السجن رسالة مؤثرة قالت فيها: إن وقفة جريئة واحدة بالحياة تكفي، كرامتك ومصير حزبك أهم عندي منا، ومن حياتك، رغم أنها غالية جدًا على قلبي.
ويوم استشهد نجلها نقولا في المعلم ـ الشياح 1975 نظمت له قصيدة “أيا بطل الشياح”:
أيا بطل الشياح إني فخورة * ورأسي ما بين السحاب مقيم
عند سقوط الكورة في الحرب الأهلية 10/7/1976 ونزوح أهلها إلى طرابلس قامت الدكتورة مي بمساعدة الجميع بما لها من علاقات في طرابلس سواء في تأمين السكن أو الحاجة.
وعند العودة إلى الكورة كانت مع الأمين عبدالله سعاده في المقدمة، وهي عرابة لأكثر من ألف طفل في الكورة.
نشطت في جميع المجالات الثقافية والفكرية والإجتماعية، وكانت تحرص على أن تكون بالقرب من كل أم شهيد من شهداء الحزب، وكانت تعاين المرضى في المخيمات الفلسطينية وتؤمن لهم الدواء مجاناً.
توفيت الدكتورة مي سعاده في التاسع من آذار 2016.