لا بد لنا ونحن في سياق دراسة العلاقة الجدلية بين الأهداف والشروط من جهة، وبين معوقات انتصار النهضة السورية القومية الاجتماعية، من أن نعرض لأهداف هذه النهضة التي اسسها الزعيم سعاده عام 1932 بتأسيسه للحزب السوري القومي الاجتماعي لجهاز مهمته “… خلق نهضة سورية قومية اجتماعية، تكفل تحقيق مبادئه، وتعيد إلى الأمة السورية حيويتها وقوتها، وتنظيم حركة تؤدي إلى استقلال الامة السوريةاستقلالا تاما، وتثبت سيادتها ، وإقامة نظام جديد يؤمن مصالحها ويرفع مستوى حياتها، والسعي لإنشاء جبهة عربية.(المادة الأولى من دستور الحزب السوري القومي الإجتماعي)
تقول المادة الأولى من الدستور أعلاه، ان غاية الحزب خلق نهضة سورية قومية اجتماعية فما هي هذه النهضة التي دعا إليها الزعيم سعادة؟
يعرف سعاده النهضة بأن: “لها مدلول واضح عندنا وهو: خروجنا من التخبط والبلبلة والتفسخ الروحي بين مختلف العقائد الى عقيدة جلية صحيحة، واضحة، نشعر انها تعبر عن جوهر نفسيتنا القومية الاجتماعية، الى نظرة جلية، قوية، الى الحياة والعالم”.
ويتابع سعاده: “النهضة إذا، هي الخروج من التفسخ والتضارب والشك، الى الوضوح والجلاء والثقة والإيمان والعمل بإرادة واضحة وعزيمة صادقة. هذا هو معنى النهضة لنا”. (المحاضرات العشر والمحاضرة الأولى – ص – 14 – 15)
ومن الوجهة المبدئية، فاننا عندما نقول بنهضة، يعني ذلك عملية إرتفاع عن واقع مريض غير سليم، وسعاده بتحديد النهضة، حدد عوامل مسار الواقع، والغايات النبيلة التي تعمل النهضة القومية الإجتماعية للوصول إليها.
الواقع المريض هو:
التخبط والبلبلة
التفسخ الروحي بين مختلف العقائد
التضارب
الشك
أما الغايات فهي في الوصول إلى:
الجلاء والوضوح (في الهدف والرؤية والفكرة)
الثقة
الإيمان والعمل
توليد الإرادة الواضحة والعزيمة الصادقة
وأنه لأمر واضح، كيف تتواجه الغايات مع المفاسد والمعوقات، وكيف أنه لا يتحصل من مواجهتها إلا نتيجة واحدة، إما نهضة بكل ما تعنيه من رقي وقوة وتماسك وإما، تخلف وانحلال وتفسخ وتضارب، يعني كل شروط الفناء بالمعنى الحضاري والذي يظهر بشكل واضح، أن طبيعة الصراع بين أهداف النهضة ومعوقاتها، صراع حماية الوجود – وجود الجماعة القومية، لذلك قال سعاده: ” إننا تعاقدنا على أمر يساوي وجودنا”. والمعركة بالتالي هي معركة وجود، تتواجه فيها الأمة المكافحة لتحقيق نهضتها وانتصارها مع قوى معادية في مصالحها ومشاريعها وثقافتها لمصالحنا ومشروعنا في الوجود ولثقافتنا، بمعنى أنها معادية لوجودنا بالأساس.
يقول سعاده: ” كل عقيدة عظيمة تضع على اتباعها المهمة الاساسية الطبيعية الأولى، التي هي انتصار حقيقتها وتحقيق غايتها، كل ما دون ذلك باطل، وكل عقيدة يصيبها الإخفاق في هذه المهمة تزول ويتبدد أتباعها”. (المحاضرات العشر – المحاضرة الأولى – ص – 28)
لقد أخذنا بتوزيع الموضوع على محاور خمسة اساسية
الأول: واقع الأمة السورية قبل النهضة السورية القومية الاجتماعية.
الثاني: الأهداف النهضوية.
الثالث: أدوات وأساليب انتصار الأهداف النهضوية (جدلية الصراع)
الرابع: المعوقات.
الخامس: شروط الانتصار.
في المحور الأول: واقع الأمة السورية قبل النهضة القومية الاجتماعية.
كانت الأمة السورية وجودا حضاريا- ثقافيا- اجتماعيا- تاريخيا مغيبا عن الوعي العام، وذلك بفعل توالي الاحتلالات الأجنبية، وتعاقب عمليات التشويه والطمس واستيلاء الولاءات والانتماءات الجزئية القاتلة.
يقول سعاده في رسالته إلى محاميه حميد فرنجية عام 1935:
“كنت حدثا عندما نشبت الحرب العالمية الأولى (الكبرى سنة 1914) ولكني كنت قد بدأت أشعر وأدرك. وكان أول ما تبادر إلى ذهني، وقد شاهدت ما شاهدت بما شعرت وذقت ما ذقت مما مني به شعبي هذا السؤال: “ما الذي جلب على شعبي هذا الويل”
وعن انقسام السوريين وتمزقهم؛ يقول في ذات الرسالة:
“لم تكن الحال في المهجر أحسن قليلا. فقد فعلت الدعاوات فعلها في المهاجرين فانقسموا شيعا. وكانوا كلهم سوريين. ولكن فئة كبيرة منهم خضعت للنعرات المذهبية فنشأت هناك ايضا الفكرة اللبنانية التي هي بقاء زعامة المؤسسات الدينية وسلطانها ونفوذها”
“…فبعد درس أولي منظم، قررت أن فقدان السيادة القومية، هو السبب الأول فيما حل بأمتي ويحل بها”.
ويكمل سعاده:” …وبناء عليه، ولما كان العمل القومي الشامل، المتناول مسألة السيادة القومية ومعنى الأمة، لا يمكن أن يكون عملا خاليا من السياسة، رأيت أن أسير إلى السياسة بإختطاط طريق نهضة قومية اجتماعية، جديدة، تكفل تصفية العقائد القومية وتوحيدها وتوليد العصبية Esprit de Corps
الضرورية للتعاون القومي في سبيل التقدم والدفاع عن الحقوق والمصلحة القومية”. (من رسالة الزعيم إلى حميد فرنجية – الأعمال الكاملة –
الجزء الثاني – 1932 – 1936 – دار سعاده للنشر – ص 107 – 108
ويعود سعاده فيصف واقع الأمة السورية، فيقول:
“وإذا نظرنا في مهمة الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي يحمل رسالة النهضة السورية القومية الاجتماعية، وجدنا أنها: أشق مهمة في تاريخ أمة من الأمم، فليس ولم تر قط للفوضى التي تتخبط فيها الأمة السورية مثيل”
“ولم يبلغ الفساد في أمة من الأمم وفي أي وقت من الأوقات ما بلغه في امتنا”
(مؤتمر المدرسين – 17 تموز 1948 – الآثار الكاملة – جزء 15 – ص 194)
وتراه يفصل واقع الأمة السورية المجهول من السوريين فيقول:
“نحن وجدنا أنفسنا أننا ابتدأنا من الصفر.”
قوميتنا مجهولة لنا.
اصول قوميتنا تفككت وتبعثرت منذ قرون.
يقول سعاده:” لم أجد يوم ابتدأت تخطيطي البنائي، مؤسسة واحدة في أمتنا صالحة للارتكاز في عمل النهوض والبناء القوميين الاجتماعيين”
ويكمل:” كإن عليّ أن أضع قواعد الحياة القومية وفلسفة الحياة الاجتماعية وأن أشرع للمنظمة القومية الاجتماعية التي أعلنتها سنة 1935 دولة الشعب السوري الاجتماعية المستقلة الحقوق والواجبات العامة. وإن أسس المؤسسات الصالحة للحياة الجديدة التي تريدها ولمثلها العليا.” وكل هذا لم تجنح إليه نهضة واحدة من النهضات المعاصرة.” هذا ما أشار إليه سعاده باختصار عن واقع الأمة السورية الذي ظهر لديه بعد سؤاله:
ما الذي جلب على شعبي هذا الويل؟ وبعد قيامه بدراسات عديدة حددت له، مهمته، موضوعا وغايات واساليب نضال ومعالجة.
والذي يبدو وجيها، وهو من ميزات النهضة القومية الاجتماعية، هي أن هذه النهضة انبعثت من الواقع الذاتي للشعب السوري، خرجت من مآسيه وأوجاعه ومصائبه ومن المخاطر المحدقة به، فكانت نهضة أصيلة مئة بالمئة، نهضة قطباها :الواقع المظلم والمريض والممزق والفاقد لحقيقته والمتشبث بأمراضه، والرد الجذري عليه لإنقاذه من هذا الحضيض، بالقومية الاجتماعية، الحركة النهضوية الهادفة إلى نقل الشعب السوري إلى مراتب التقدم والحرية والاستقلال وإعادة لعبه دوره في التاريخ بعد تحقيق وحدته القومية الاجتماعية ووضع تنظيم يطال كل مناحي الحياة العامة المادية والنفسية، والمعبر عنها بالمبادئ الأساسية والإصلاحية.
في المقالة الثالثة القادمة، سوف نتطرق إلى الأهداف النهضوية التي وضعتها النهضة القومية الإجتماعية هدفا لها.
