منذ أيام ثلاث جرت الإنتخابات الخامسة للبرلمان (الكنيست الإسرائيلي)، وذلك خلال أقل من أربعة أعوام، هذا وإن كانت النتائج النهائية لم تُعلن بعد وبالشكل الرسمي، إلّا أن المعروف منها كافٍ ليؤكد على فوز بنيامين نتنياهو بخمس وستين مقعداً، قد يزدادون واحداً أو ينقصون واحداً، مما يعني أن رئيس الحكومة القادم هو نتنياهو، وأن حكومته ستتمتع بأغلبية عالية بالمقياس (الإسرائيلي)، كما ستحرسها قاعدة إنتخابية واجتماعية نشطة وحيوية في ذلك المجتمع المنزاح نحو اليمين والتطرف.
غاب الموضوع الفلسطيني عن الحملات الإنتخابية وما رافقها من مناظرات لكلا المعسكرين، فيما حظيت السياسات الداخلية بالحصة الأكبر،يليها الموضوع الإيراني وملفه النووي، ثم التواجد الإيراني في سورية ولبنان، وقضايا التهديد الذي تمثله مقاومته، وملف ترسيم الحدود البحرية وإستخراج الغاز التي يرى نتنياهو أن حكومة لبيد هُزمت وهُزمت الدولة معها أمام السيد حسن نصر الله وانه لن يلتزم بها في حال فوزه.
مثلت النتائج خيبة أمل وخسارة لمن إستثمر في دعم معسكر لبيد-غانتس والقوائم العربية، أموال وعلاقات وإتصالات وجهود وضغوط بذلتها عمان ورام الله لدعم القائمة المشتركة أيمن عودة وأحمد الطيبي، وقائمة منصور عباس، فيما بذلت قطر ومفكرها الأيديولوجي، ما هو أكثر لدعم قائمة التجمع التي يبدو أنها لم تتجاوز نسبة الحسم حتى تاريخ كتابة المقال،بالمقابل وبشكل أقل ظهوراً تلقى نتنياهو دعماً من معسكره العربي،فسعودية محمد بن سلمان وإمارات محمد بن زايد كانا على الطرف النقيض لعمان ورام الله والدوحة، فعلاقات السعودية والإمارات يجمعها قاسم مشترك ألا وهو الخصومة مع الإدارة الديمقراطية في واشنطن، ومع شخص جو بايدن، ولا يغيب عن الذهن أن نتنياهو هو أول من فتح الخطوط مع السعودية والإمارات، حيث أنه سعى منذ البداية وتعامل معهم مباشرة دون المرور بأي محطة مثل رام الله أو عمان أو القاهرة.
سبق لنتنياهو أن حكم لسنوات طويلة أكثر من أي رئيس وزراء آخر (لإسرائيل)، وهذا ما يجعله إلى حد معروفاً في أدائه وتوجهاته، فما الذي نستطيع أن نراه في قراءه أولوية لعودته غير المباركة؟
أولاً: سيكون رئيس وزراء قوي حيث أنه يعتمد على كتلة برلمانية وازنة في البرلمان (الكنيست)، وسوف يضرب خصومه بعنف ويعاقبهم، وكذلك الكتلتين العربيتين، فجميع هؤلاء لم يكونوا ليكتفوا بإسقاطه وإخراجه من الحياة السياسية، وإنما عملوا بأقصى الجهد لوضعه في السجن.
ثانياً: لن تتعامل الحكومة مع السلطة الفلسطينية في رام الله، وإنما ستوكل هذه المهمة للجيش ومن خلال دائرة في وزارة الدفاع (المنسق)، وهو يرى أن الشأن الفلسطيني هو مشكلة عربية لا مشكلة (إسرائيلية)، وسيعاقب السلطة التي عملت من خلال ما يسمى لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي والتي يقودها عضو في اللجنة المركزية للحزب الحاكم، والتي أثبتت نتائج الانتخابات تهافتها وأنها لم تكن سوى محرقة للمال والكرامة،سيعاني الفلسطيني من أوقات صعبة.
ثالثاً: ستعود الحكومة للتصعيد مع إيران وتحرض شركاءها في الخليج على تعطيل أي محاولات لإنجاز الاتفاق النووي، وكذلك للتصعيد مع لبنان خاصة في ملفي ترسيم الحدود وإستخراج الغاز.
رابعاً: ستشتبك الحكومة الجديدة مع الإدارة الديمقراطية وترهقها وهي تخوض معركة الانتخابات النصفية، إنه جديد قديم، سيكمل نتنياهو طرقه حيث تركنا عند مغادرته الحكومة في المرة السابقة.
سعادة مصطفى ارشيد جنين-فلسطين المحتلة