هل من يوم ثاني لما بعد الحرب؟

هل من يوم ثاني لما بعد الحرب؟

بعد فتره قصيره من المفاجأة المدهشة صبيحة السابع من تشرين اول الماضي، اخذت الاطراف المشاركة في الحرب الى جانب دولة الاحتلال من اعراب واغراب على حد سواء يضعون تصوراتهم ويرسمون خططهم لليوم الثاني لما بعد الحرب، تلك الخطط والتصورات التي كانت تذهب في اتجاه المعاكس لمجريات الحرب وميادينها، اذ كانت تفترض ان المقاومة ستكون قد هزمت وسحقت عند ذاك، وبناء على هذا الافتراض فما على المهزوم الا ان يقبل بشروط المنتصر، هكذا بدا هؤلاء و كأنهم يفكرون بالأماني والرغائب اكثر مما يبنون تصوراتهم على حقائق ما يجري في ميدان القتال الذي يثبت ان (الاسرائيلي) برغم قدراته و تفوقه بالسلاح و العدد وتقدمه على الارض، الا انه لا يستطيع البقاء او الاستقرار في اي مكان بسبب صمود المقاومة وضرباتها المتتابعة.

اما طرفي الحرب المباشرين فكل منهم يشد من عزمه ومن قوته ويبذل اقصى ما لديه من طاقة في ميدان القتال، (الاسرائيلي) معتمدا على قوته التدميرية الهائلة وهو لا يتورع عن ممارسه اقصى ما يمكنه من دموية وجنون وبما لديه من القدرات اللوجستية التي تزوده بما تستنزفه الحرب من عتادا ومعدات، وبما يتكئ عليه من غطاء دولي ممنوح له اذ يعتبر التحالف الداعم له ان قوه القتل والتدمير (الإسرائيلية) ليست الا بهدف الدفاع المشروع عن النفس، وبما تقدمه ايضا أطراف عربيه مشاركه في الحصار والتجويع.
في مقابل ذلك تقوم جبهات محور المقاومة بنشاطات اسناد ومشاغله للعدو، ولكن الاساس هو في المقاومة في غزه التي لا تملك الا قدرات بسيطة واسلحه متواضعة وذخائر قابله للنفاذ، الا انها تدير مواردها بكفاءة واقتدار، وبثبات سياسي في المفاوضات والاتصالات وشجاعة مقرونه بالحكمة في القتال.
ترى المقاومة انه في اليوم الثاني لما بعد الحرب سيرى الجميع انها لا زالت موجوده في كل قطاع غزه ولكنها لا تصر على ان تكون منفرده في اداره غزه وهي مستعده للمشاركة مع اخرين في الإدارة حتى انها مستعده ان لا تشارك وتقبل بحكومة تكنوقراط لا تكون ممثله بها بشرط ان تمتلك الحكومة القدرة على اداره البلد وعلى معالجه اثار الحرب، نلاحظ هنا مقدار الوضوح والدقة الذي بدا في ردها على ورقه اتفاق اطار باريس لوقف اطلاق النار الذي اكد استعدادها لمواصلة القتال طالما لزم الامر، والتزامها بدورها في الدفاع عن اهدافها التي اعلنتها من الدفاع عن المسجد الاقصى ،الى رفع الحصار و تبييض السجون، و هي لا بد منها مقابل التضحيات التي بذلت و ذلك في اطار فائدة وطنيه عامه، كما انها مستعده للقبول بجهات معتدلة تختارها هي لتقوم بالتنسيق والتفاوض ضمن محددات و ضوابط، ومن الجدير ملاحظته ان الحاضنة الشعبية في غزه لا زالت تلتف حول المقاومة برغم معاناتها من الهدم والقتل والتجويع والتشريد هذا وان كان من المقبول والمعقول ان نرى بعض هذه الحاضنة الشعبية قد اكلتها الحرب واوهنتها قسوة الظروف.
اما نتنياهو فقد قدم ورقته حول تصوره لليوم الثاني لما بعد الحرب لمجلس الحرب (الاسرائيلي) و كما جاء في الورقة يتضح انها ليست الا اعاده انتاج لحالة الوهم (الاسرائيلي) الذي يفترض انها منتصرة وقادره على فرض شروطها على المقاومة معتبرا ان لا يوم ثاني لما بعد الحرب الا بعد ان يواصل جيشهم عمله في تدمير المقاومة وإعادة الرهائن وتشكيل قطاع غزه من جديد بحيث لا يستطيع ان يمثل اي تهديد لأمن المستوطنين في المستقبل.

بناء على ورقة نتنياهو وعلى المستوى الامني فان (اسرائيل) باقيه في غزه وتملك حريه القيام باي عمل تراه يحبط المقاومة (الارهاب) ويجب اقامه منطقه امنيه عازله في شمال غزه واقامه حاجز جنوب غزه اما على المستوى المدني فان اسرائيل ستسلم السلطة لأدارة مدنية فلسطينية من غزه لا علاقه لها بالمنظمات (الإرهابية) أي المقاومة او بالدول الداعمة (للإرهاب) بمعنى اخر سلطة عميلة، كما يجب اعداد خطط لمكافحه التطرف تشمل السيطرة على المدارس ومناهجها ودور العبادة من مساجد وكنائس و مواعظها ومنعها من نشر ما ينسجم مع الرؤية و الرواية (الإسرائيلية) فيما تصب الورقة غضبها على وكاله الاونروا التي يرى ان عملها يجب ان ينتهي في غزه ويتم استبدالها بمؤسسات دوليه جديده تتولى مهامها.
وعلى مستوى إعادة الاعمار فهذا امر لن يكون الا بعد انهاء العمليات العسكرية بما يضمن نزع سلاح غزة واجتثاث التطرف بما يذكر باجتثاث البعث في العراق في مرحله ما بعد صدام؟، وان اسرائيل يجب ان توافق على الدول التي ستساهم في دفع اكلاف اعاده اعمار ما دمرته الته الدموية، وفي النهاية تؤكد الورقة ان لا دولة فلسطينية ممكن ان تقوم على ارض فلسطين و لا مسار سياسي بينهم و بين الفلسطينيين.
نفهم مما تقدم بضعه مسائل اولها ان ورقة نتنياهو هي ورقه اعتراضية اكثر منها ورقه جادة ،و الثانية انه لا يوجد يوم ثاني طالما من الممكن ان تطلق طلقه واحدة و لو كل بضعه ايام، فاليوم الثاني قد لا يأتي ابدا خاصة ان فهمنا ان الحرب مستمرة منذ عام 1948، و الثالثة ان (اسرائيل) في حال كان يوم ثاني- و هو امر مستبعد ستجد نفسها مسؤولة عن ادارة القطاع و تحمل كافة المسؤوليات المدنية الحياتية من صحة و تموين و تعليم …، و الرابعة ان الوسطاء في باريس و غير باريس ليسوا الا طرفا منحازا بنسب مختلفة الى جانب (اسرائيل) لا بل انهم جزء من الحرب و التحالف المعادي ويقوم كل منهم بدوره.

الصحافة والفضائيات المحسوبة على الاتجاه الامريكي الابراهيمي تتحدث يوميا وتذيع اخبارا عن قبول المقاومة بشروط الهدنة المؤقتة حينا والدائمة حينا اخر، ولكن التباعد في المواقف بين طرفي القتال والقوه التي لا زالت تملكها المقاومة تشير الى ان الحرب لا زالت طويله.

جنين- فلسطين المحتلة