السلام للعالم العربي وللإنسانية

فكرة السلام الموجودة في عقيدة أنطون سعاده القومية الإجتماعية لا تعني الحياة القومية الجديدة في سورية فقط بل هي فكرة مقصدها السلام للعالم العربي وللإنسانية بأسرها. فسعاده دعا إلى التعاون بين أمم العالم العربي حول القضايا المشتركة والحاجات السياسية وإلى إنشاء جبهة عربية تعاونية لبلوغ الأهداف المشتركة، دون إبطال السيادة القومية لهذه الأمم، ولتكون سداً منيعاً امام المطامع الأجنبية الإستعمارية “والوسيلة الفعالة لتحقيق إرادات هذه الأمم كلها.”
لقد آمن سعاده ان سورية لا يمكن ان تفيد العالم العربي إذا كانت “منقسمة على نفسها مجزأة بين الأحزاب الدينية ورازحة تحت نظام إقتصادي – سياسي فاسد.” اما سورية الموحّدة قواها في إرادة واحدة نافذة تستطيع ان تساهم في سلام العالم العربي وفي إنهاضه وترقيته. لذلك كانت أولوية سعاده العمل على توحيد أمته وتقوية معنوياتها وإبراز شخصيتها.. وقد قال:  شرط التعاون في العالم العربي، هو أن نقدر على تقديم شيء ولكي نقدر على تقديم شيء يجب أن نكون نحن أولاً شيئاً. لا يمكن لسورية أن تخدم العالم العربي في شيء وهي مبعثرة مجزأة نفسياً واجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، وليس لها كيان أو ذات أو حقيقة أو نفسية.” وقال ايضاً: “انني أومن ان الأمة السورية هي الأمة المؤهلة للنهوض بالعالم العربي، ولكنها لا تستطيع القيام بهذا العمل إلا إذا كانت ذات عصبية قوية في ذاتها تجعل ثقافتها مسيطرة وإرادتها نافذة.”
كما دعا سعاده إلى التفاهم والتعاون بين الدول والشعوب والسير في طريق التفاعل الحضاري التعميري وإعتماد سياسات تقوم على الحق والعدل والتآخي والمحبة والمساواة لتحقيق السلام العالمي الحقيقي دون ان تتنازل سورية عن حقها في الصراع والحرية وفي الحياة الحرة الجميلة.. فسورية المفككة والمستعبدة لا يمكن ان تساهم في سعادة البشرية وخيرها وسلامها.. اما سورية القوية مادياً وروحياً والمدركة لشخصيتها وحقوقها والغنية بخيرها وانتاجها والمتسلحة بقيمها السامية الجميلة وبنظرتها الجديدة إلى الحياة والكون والفن فيمكنها ان تعمل للسلام العالمي ولخير البشرية وتقدمها وستكون خير داعم لحقوق الشعوب وحرياتها وخير ضامن لقيم الحق والعدل والسلام المطلقة. يقول سعاده: “فنحن يجب ان نكون أمة عظيمة حرة ليس لمصلحتنا فقط بل لمصلحة الإنسانية كلها.”
. والسلام الحقيقي لا يمكن تحقيقه إذا بقي العالم في حالة عداوات وتنازع مصالح الأمم على المطامع والموارد والثروات. السلام الحقيقي لا يتحقق إلا إذا تنازلت بعض الدول القوية عن التزاحم الإقتصادي فيما بينها وعن حروبها الإستعمارية ومطامحها في امتلاك الأسواق التجارية ومطامعها في التسلط على الأمم واستعباد الشعوب والسيطرة على ثرواتها ومواردها الأولية. يقول سعاده:
إنّ النهضة القومية الاجتماعية لا ترفض السلام العالمي الدائم بعد أن تكون حققت انتصاراتها العظمى التي تجعل للأمة السورية مرتبة ممتازة في السلام وفي حقوق السلام. أما السلام العالمي بعد تجريد الأمة السورية من حقوقها القومية في كيليكية والإسكندرونة وفلسطين وسيناء وقبرص وبعد تجريدها من مواردها الطبيعية، فماذا يعني لها غير الذل والفقر والفناء؟
سعاده يعتبر انه لا أمل لسورية بالحياة الحرة المستقلة إلا بالإتكال على نفسها وعلى “الإرادة المنبثقة من القوة الكبيرة التي ولّدها ونظّمها الحزب السوري القومي لتكون الأساس الراسخ لتشييد كيان الأمة على الثقة بالنفس والاعتماد على النفس.” فالأمة التي تثق بنفسها تسير إلى غايتها العظمى ومراميها السامية لأنه، والقول لسعاده، “ما من أمة نامت واستكانت إلا كان مصيرها البوار.” ويضيف سعاده: “هنيئاً للأمة التي تسير إلى أهداف سامية وتعرف أن تنشيء تاريخها، أما الأمة التي تتشبث بالسلام تحت كل الظروف، حتى ولو كان في ظلال الخنوع والذلة والمسكنة، فلا خير في حياتها ولا خير في الطمأنينة التي تنعم بها!.”
سعاده يعتير ان أمته السورية هي “أمة عريقة في الثقافة والتمدن” و”أمة مثالية وهادية للأمم” وبإمكانها ان تساهم في إنقاذ المجتمع الإنساني من إنقساماته الطبقية ومشكلاته الإقتصادية والإجتماعية والحقوقية ومن الحروب والويلات المدمرة التي حلت بالشعوب نتيجة التنافس والتصادم بين الفلسفات المادية كالرأسمالية والماركسية والفلسفات الروحية كالفاشية والنازية. ويعتبر ان الحل البديل يكمن بفلسفته المدرحية الجديدة التي يصفها بأنها “فلسفة التفاعل الموحد الجامع لقوى الإنسانية.” والتي تقدم “نظرات جديدة في الاجتماع، بأشكاله النفسية والاقتصادية والسياسية، جميعها..” ويؤكد سعاده ان القوميون الإجتماعيون يسعون لإفادة الشعوب الأخرى بتفكيرهم الجديد ولإيجاد عالم أفضل من الموجود:
 فالسوريون القوميون الاجتماعيون يجاهدون، ولهم عقيدة كلية، تشمل جميع مناحي الحياة الاجتماعية، وترتفع في مثل عليا غير متناهية. إنهم يحاربون، واثقين من أنهم يشيّدون تمدناً جديداً أفضل من التمدُّن القديم الذي وضع قواعده أجدادهم الأولون. فهم، من هذه الناحية الفلسفية، الأساسية، في طليعة الأمم التي تسعى لإيجاد عالم أفضل من الموجود، ولا يحتاجون لأخذ دروس، في هذا الموضوع، من شعب من الشعوب، بل إنهم يشعرون بأنهم يقدرون أن يفيدوا الشعوب الأخرى، في جميع القارات على السواء، بتفكيرهم الجديد، الذي لم يسمح لهم الأدباء المجزرون، والنفعيون، والرجعيون، بالانصراف إلى توسيعه وإعلاء بنائه وكشف مخبآته الرائعة، بما أثاروه عليهم من ضجيج، وما شغلوهم به من عنعنات وترهات ومخرفات، لم يجد القوميون الاجتماعيون بداً من الحفول بها، وصرف بعض الوقت الثمين في محاربة سمومها.
ومن المعروف ان السوريون المغتربون موجودون في مختلف أنحاء العالم يساهمون بإمكانياتهم الفكرية والعلمية والمادية في بنيان المجتمعات وتقدمها ويعطون صورة ناصعة عن طبيعة شعبنا المحبة للسلام وعن نفسيته الخيرة ويتسابقون في تقديم الإنجازات الحضارية والإنسانية كما هو معروف عن شعبنا العريق الغني بالعطاءات السخية الخالدة التي قدمها للأمم لتكونَ مناراتٍ لها على دروبِ الخيرِ والفضيلةِ والتقدمِ والعدالةِ والسلام. ويقول سعاده: “فوجود السوري في العالم ليس شيئاً من الأشياء التي يمكن الإستغناء عنها، بل هو كائن لازم وضروري للحضارة والثقافة وترقية النوع البشري.”
والحق يقال ان القومية الإجتماعية تتوجه إلى المغتربين السوريين وتطلب منهم ان يكونوا دائماً رسل محبة وسلام ووئام وسفراء أمة حضارية عريقة متفوقة بمقدرتها وخصائصها وغنية بمواهبها وعطاءاتها.. فهي تدعوهم لتوثيق عرى التفاهم والمودة مع جميع الشعوب ولأن يحملوا قيم أمتهم الإنسانية ومثلها السامية وان ينشروا بذورها في الأوطان التي حلّوا فيها عربون وفاء لها وان يحافظوا على أمنها واستقرارها ويساهموا في تقدمها وعمرانها تماماً كما هو معروف عن شعبنا المعطاء الذي ساهم منذ فجر التاريخ في بناء الحضارة البشرية وكانت له عطاءات كبيرة وخالدة  في خدمة الإنسانية وارتقائها.