لم “يحل” الوقت لعودة الحريري

كل شي بوقته حلو”، عبارة تختصر زيارة الرئيس سعد الحريري للبنان في مناسبة الذكرى التاسعة عشرة لاستشهاد والده الرئيس رفيق الحريري, و”كل شي بوقته حلو” تعني باختصار ووضوح ان الوقت لم يحن بعد لعودته الى لبنان لممارسة دور سياسي بعد مغادرته لبنان واعلانه قبل سنتين تعليق عمله السياسي وكذلك عما تيار “المستقبل” الذي يتزعمه.
كان المستقبليون يأملون بموقف مغاير، وهم حاولوا اقناع أنفسهم بأن الظروف باتت مناسبة لعودة الحريري الى الساحة السياسية، لكن الرجل خيب آمالهم مرة جديدة وكانت زيارته نسخة طبق الاصل عن زيارته السنة الماضية في المناسبة عينها. الحريري ادرى بواقعه وظروفه وبالضغوط التي يتعرض لها من رعاته السعوديين الذين حيدوه من الساحة اللبنانية بعد سلسلة من الاخفاقات، او ربما الانعطافات التي رأوا فيها تراجعا غير مبرر أمام خصومه وخصوم المملكة السياسيين في لبنان.
ربما بالغ بعض الحريريين في تقدير حجم الاحتضان الشعبي في الطائفة السنية للحريري، وربما لعب بعضهم دورا غير مدروس في رفع شعارات الزيارة التي حملت عنوان “انزلوا تا يرجع”، وربما كان يجب التمهل والتروي قليلا، فالشعارات لا تصنع الحدث ولا تتغير القرارات الكبيرة، فليس لبضعة آلاف ينزلون الى ساحة الشهداء والى بيت الوسط تحت زخات المطر، ان تضغط، لا على السعوديين ولا على غيرهم في بلاد لا تعير كثير اهتمام لآراء الشعوب.
هكذا انتهت الزيارة التي اقتصرت على لقاءات سياسية حزبية ومع اهل البيت من دون ان تترك أثرا كبيرا في الساحة السياسية. أتى الحريري وغادر وطويت صفحة الزيارة وعاد أنصار الحريري الى خيبتهم التي تتراكم سنة بعد سنة نتيجة غياب زعيمهم الى اجل غير معروف لم يحن وقته “الحلو” بعد.
ربما كان غياب الحريري أكسبه تعاطفا اضافيا، لكنه ايضا نوع من الغياب الذي ينسي، فاذا طال قد ينفرط عقد المؤيدين الذين لن يصبروا طويلا، خصوصا انه بات واضحا ان عودة الحريري ليست قرارا ذاتيا، وهو ما يتجنب الحريري واوساطه الحديث عنه. انه نوع من الاسرار المكشوفة والتي يعرفها القاصي والداني، وخصوصا في البيئة السنية التي تبدو تائهة في خضم تطورات المنطقة والعدوان الصهيوني الوحشي على غزة. وربما كان الحريري “مزنوقا” في خياراته وقراراته. فلا هو يستطيع اغضاب اصدقائه الخليجيين أصدقاء اسرائيل ولا هو يستطيع اغضاب الشارع السني المتضامن مع “حماس” وغزة. وهكذا ليس الوضع مريحا للرجل لا لبنانيا ولا اقليميا، فعودته في هذا الظرف لن تساهم لا في وقف الحرب على الحدود الجنوبية ولا في الازمة الاقتصادية ولا في الازمة السياسية، وهو لو كان قادرا على تغيير الوضع اللبناني لكان فعل سابقا,
الن الكلام الكبير عن عودة الحريري وضرورته وما شاكل من مجاملات السياسيين لا يصرف في السياسة اللبنانية ويتضمن مبالغات لا فائدة منها، فالرجل جزء من التركيبة السياسية اياها ومحكوم مثل غيره بزعامة طائفة من الطوائف التي يتقاسم زعماؤوها البلد في سياق نظام طائفي دمر البلد وأفقره وسيؤدي به الى الهلاك.