انقذوا الماء من الغرق

يقول الفرح : سآتي في المرة القادمة علي شكل طاعون
يقول الألم : سآتي دائماً مثلما أنا
تقول الحبيبة : الوداع
أقول : في المرة القادمة لن تترك الأحلام ظليَ
ليتني كنت مشوهاً كي أقاضي فرحي المسعور
ليتني كنت على الضفة الأخرى للنهر
كلنا يا أصدقاء حشائش الضفتين
*** ***
نزداد ملوحة كلما اقتربنا من البحر
وبغتة تبعث فينا العذوبة
فينيقاً آخر ينتحر خوفاً من ظله
***
أطفأوا الثورة ونشرو إعلاناً ثورياً
حاربوا السرطان بالاعلان وكنسوا الحب من الشوارع
هاتمرج البحر وأحصنة الرفاق تعبر
ها حبي قام ميتاً وأنا أهرب الثلج في إجازة الصيف
الحرمون ذكر لا يميَز
انثى جنوب لبنان عن شمال يافا
الحرمون
في عصر توسفت فيه الحكاية
وحده يدفىء الموسيقى الحلم
الحرمون وجه حبيبي المستحيل
وجه الرفاق القديم
والحرمون في إقامتي المومياء يهتف :
أنقذوا الماء من الغرق
انقذوا الماء من الغرق

ماذا أبقيت لي منك ؟؟؟
يبعدني عنك نهر الضوء
وتبعدك عني خطيئة العفة
وكلانا لم يلده البحر
هنا مات الماء …
يا حبَاً غريباً عن الحب
يا بلاداً أنشأتها الغربة
وأبدعتها
أزمنة المشانق
أنت .. ويبتدئ معك تموزي الربيع
أنت .. ويحسدك الليل عليَ ويغار
هنا يبتدئ البحر مني
هنا ينقذ الماء البحر من الغرق
ماذا أبقيت لي منك ؟!
لم يكن قمراً في السماء
عاصفة الكذبة والتقليعة والأزياء
هذا عصر وأنا بريء منه
تصمت الاذاعات التراتيل
تصمت الاسطورة القديمة
وأنا المستقبل ولست التاريخ
بلادي أبدعها الغير
أبدعها الجنس العابر
في معروض اللوحات الزائرة
فنَانها ينتحر في المراحيض
والمراحيض تزرع أجمل أزهارها
أنت تعودين ويبتدىء البحر مني
لي البحر

وأنت غريبةعن الحب
وأنت غريبة عن طقس الحب موتاً أو الموت حياً
فمتى ترحل الأنهر عن البحر
فمتى ترحل الأصداف … الاسماك .. الجزر
اتركوا البحر نقياً
البحر خارطة المستقبل
البحر جدار الجدار أو ظل الجدار
لا يعبر الجدران غير ظلالها
أنت ويبتدئ البحر
بعيداً عنك
يولد القمر في سمائي
جنَي التسعة أشهر
وقوانين الشرع
ها تمرج البحر والليل يعود صديقي

ها توحد البحر والليل
من ينقذ الماء
أنقذوني أنا الماء
أو أنا رسالة الماء


وعاد البحر يسكنني
الفرض
لو كان عصراً
لو كان دهراً
لو كان اسماً
لو كان .. لكنه في خانة التضليل
يدعى وجوداً
الطلب
؟ …. ؟….
!…. !…. !
البرهان
العالم القطبي
يعطي بابلو .. كروناً
يعطي هنري .. سكيناً
ويعطي بابلو .. رغيفاً
الكورونات .. والرغيف .. والسكين .. وجثة بابلو
كلها توضع في حساب هنري الجاري
في بنوك العالم
وتبقى أغاني البلاد الحزينة
النفير
النار في المدفـأة
والبحر موظف في دولة السمك
وأنا نعاس الحلم ..
فمتى تخلع النار عصر المدافئ
ومتى يعود البحر من دفنر الاحصائيات
زمتى أعود أنا إلى حبَك … !!
رُحًلٌ نحن عن بيوت الألم
نُدخِل مفردة “كاذب” قاموس البطولة
ونسقط الوداعة …


  النشيد الأول :حب

اسمك الوطن واسمي الغريب
اسمك البحر ,, وشفاهي اليابسة
يا جموحي الوحيد …
بعد موت العاصفة

  النشيد الثاني :النار

الموت المجاني قطيع مسوق بطفولية الوعي
وأنا يوسف العظمة
وهو هانيبعل

وكلانا يسمي
العصفور جزاراً عندما لا يغنَي
ويعرف التاريخ شخوصاً جغرافية
أنا يوسف العظمة
وهو هانيبعل
بيننا مسافات الدمار
جند ارطغرل .. قمل التتار
أمامه قرطاجنة .. هملبقار
وكان رصاص الأعراس في وداعي
حقيقياً
وطفولياً حتى الذي أخرج دمائي من وثبتها
كان الرصاص
لم نكن فصلاً واحداً
لكننا شمس واحدة
نحن في وحدة اللون عذاب الإنسان
وتوَحدنا ….. وهربنا الى الشعر
“الشعر اتحاد مع الحرية في زوايا العذاب الإنساني المقيم”
رُحّل نحن عن بيوت الألم
ندخل مفردة “كاذب” قاموس البطولة
وتسقط الوداعة…


النشيد الثالث :البحر

أيها الدروب المخاتلة … يا جزر الكلام الممغنطة
يا حروفي إليك
هل هي النارين قاع حبي
وخشب سفنك الطائشة
إنه البحر …!!
فلا تلق باسمائك إليه ..
لم يبق منك غير العصب المهترئ والأسماء
الأرض أهدتك حواسَها والذكحريات
يا طفلاً جيداً وأسرتك لم توجد بعد
يا حبراً وصلاه .. وأبناؤك خونة
يا بحراً وما قبل البحر .. هذا فصل الدماء .. وموسم الجنون
لم توجد بعد موضة الطهارة
خرافة كان بيننا البحر
قطرة .. قطره يكبر .. يعود الى الزمان
يدعوني بروتوس الذبيح
ويسمي نفسه عصراً من القياصرة
فليبك البحر فإنه يملك المع الكافي
ولترحل كثبان الرمل فالصحراء تكره المقيمين
وأنا يسكنني العذاب .. الجوع .. الضباب
عصفوراً خريفياً في يدي .. وآخر في صدري
ودمي يسكنه البحر تجوالاً خريفياً.
دمشق 1/2/1975


الشاعر ميرزا ميرزا ولد ميرزا ميرزا في سلمية 1951 لعائلة مشهود لها بالأصالة والثقافة والكرم ، فوالده الأمير مصطفى ميرزا النائب والوزير السابق ورجل الكلمة والموقف ليس على مستوى سلمية فحسب بل على المستوى السوري ، وأخوته الذين كانوا مخلصين لسيرة والدهم في الحياة والعلم والثقافة . درس ميرزا في مدارس سلمية ثم تابع دراسته في جامعة دمشق وحصل منها على الإجازة في الصيدلة ، ولم تعجبه مهنة التعامل مع الأدوية والمخابر فغادرها إلى الأدب والثقافة ، وهو الذي كان مشدوداً لها منذ يفاعته . كتب الشعر وشارك في الكثير من الأمسيات منذ المرحلة الجامعية ، انتمى للحزب عام 1968 عندما كان التنظيم سري و ظروق العمل قاسية. شارك في تأسيس عدد من الجمعيات الأهلية في سلمية وكذلك في إدارة العمل فيها. صدر له مجموعة شعرية واحدة بعنوان ( أنقذوا الماء من الغرق ) عام 1996 وقد ترك الكثير من القصائد بين أوراقه .. أوراق تضمنت إلى جانب الشعر قصصاً وبعض أوراق مختلفة في صنوف الثقافة . أرقه المرض في سنواته الأخيرة. توفي في 12 تشرين الثاني عام 2015 ونقل جثمانه إلى سلمية مدينته ليدفن فيها.