الجزيرة السورية… وحصار سوريا من داخلها

منذ بداية اندلاع الأزمة السورية، كان واضحاً أنها أزمة مركبة تتعدد فيها المسببات والآليات والأهداف.
ومنذ ذلك، تعددت القراءات حول الأهداف الحقيقة الكامنة وراء افتعالها، لكنها بغالبها اعتقدت أن الغاية منها فقط، السير بسوريا نحو الدمار عبر افتعال أزمات طائفية وعرقية تسهم في تحويلها إلى كانتونات متصارعة الى ما لا نهاية …
القصة باعتقادنا، أعقد من هذا التوجه، فيما لو قرأنا الخارطة الديمغرافية للوطن السوري، وتداخلاتها البنيوية مع دول الجوار خاصة في منطقة شديدة الحساسية من هذا الوطن مثل الجزيرة السورية أو شمال شرق سوريا وباعتقادنا أنها محرق ومحور الأزمة، وكما قلناها لمرات، العمرة في سوريا، والحج ونهاية الطواف سيكون في الجزيرة السورية..

الجزيرة السورية، أو محافظة الحسكة، الممتدة على مساحة تتجاوز 23 ألف كيلو متر مربع أي ما يعادل حوالي 13‎% ‎ من مساحة الجمهورية العربية السورية، منطقة ذات خصوصية شديدة التعقيد وشديدة الأهمية لاعتبارات سكانية واجتماعية وإثنية وجغرافية واقتصادية وحضارية..
فالجزيرة تحازي، دولتي العراق و تركيا بحدود برية تتجاوز 300 كم ..
والجزيرة السورية، تعتبر وبحق سلة غذاء سوريا وضمانة استمرارها الاقتصادية لجهة خصوبة وسعة أراضيها الزراعية ما يجعلها المنتج الأول للقمح بما يغطي ويفوق حاجة سوريا سنوياً، بإنتاج معدله الوسطي يتجاوز 2.5 مليون طن، إضافة الى انتاج الشعير والقطن وسواها من المنتجات الزراعية الاستراتيجية..
والجزيرة السورية فيها مخزون نفطي كبير يغطي ضمن الحقول الموضوعة بالإنتاج حاجة سوريا ويفيض.
والجزيرة السورية، فيها أكبر ثروة من المواقع الأثرية التاريخية التي تتجاوز ألف موقع ويعود الكثير منها إلى ما قبل الالف الثالث قبل الميلاد.
كل ذلك، جعل هذه المنطقة بتركيبتها السكانية المتنوعة، محط اهتمام كبير من قبل الأمريكي بشكل خاص باعتباره المشغل الأول والوحيد للأزمة السورية بكل ابعادها فيما تبقى كل المسميات الأخرى (بتناقضاتها الظاهرية) مجرد أدوات لتحقيق المراد الأمريكي بالسيطرة على موارد الجزيرة وعمقها الاستراتيجي بوقوعها على حدود تركيا والعراق وإقليم كردستان العراق وبعدها النظري عن إيران بمسافة نظرية ليست كبيرة من زوايتها الشمالية الشرقية في منطقة المالكية / ديريك / على معبر سيمالكا الحدودي .
طيب …
هناك من يتساءل محقاً، عن التناقض الكبير بالأهداف بين مجموعة القوى المسيطرة على الأرض في هذه المنطقة.
التركي المتضاد بأهدافه ومشاريعه مع مشروع قسد، والطرفان محسوبان على الأميركي!!
الحقيقة نعتقد أن لا تضاد بين المشروع التركي ومشروع قسد، لأن القارئ للمسألة بعمق سيكتشف أن قسد ما هي إلا مجموعة من الثوار تحت الطلب لا تمثل قوة ذات بعد قومي بدليل تناقضاتها الكبيرة مع باقي القوى الكردية بالمنطقة، وعلى العكس لا يمكن للمشروع التوسعي التركي أن يتحقق إلا من خلال وجود هذا المسوغ المفتعل بما رُكِّبت عليه من أهداف لا يسعى فعلياً لتحقيقها بل ولا يمكن تحقيقها لاعتبارات كثيرة منها رفض هذا المشروع من كل دول الجوار بمن فيهم كردستان العراق، ورفضه من قبل سكان المنطقة باعتبار أن حزب العمال الكردستاني حزباً تركياً وللكرد السوريين تجربة مريرة معه .
القصة كلها باعتقادنا، تحوم حول سيطرة أميركية على مناطق الثروة وممارسة سياسة الخنق ضد الشعب السوري والدولة السورية لتحقيق المشاريع الامريكية بالمنطقة.
فأمريكا، ومرة من خلال قسد ومرة من خلال تركيا وأدواتها في سوريا، حرمت السوريين من ثرواتها النفطية لدرجة انعدامها في أكثر الأوقات احتياجاً لها، وبات السوريون محتارون في آليات تأمين خبزهم اليومي بالوقت الذي كانوا يمتلكون مخازين استراتيجية تكفيهم لأكثر من عشر سنين قادمة، قام التركي وأدواته بتهريبها إلى تركيا بدعم أمريكي. فيما يقوم الأمريكي الآن بسرقة النفط السوري وبيعه لتركيا بأبخس الأثمان.
والمنتج السوري من المحاصيل الزراعية بالجزيرة حالياً، تقوم قسد وبدعم أمريكي بشرائه بأسعار مغرية وتهريبه إلى تركيا (غير المحتاجة له اساساً) والغاية فرض مزيد من الاختناق على الشعب السوري.
مشكلة الجزيرة، باعتقادنا ليست في الوجود التركي وحسب، ولا بوجود قوات قسد، لأنهم مجرد أدوات لتعزيز الوجود الأمريكي الذي أعتاد السيطرة على مقدرات الشعوب عن طريق وكلاء.
الجزيرة بلا ماء، بلا كهرباء، بلا خبز، بلا محروقات وهي منبع كل تلك الخير.
حتى حوامل الطاقة المصنعة من النفط المنتج، بأسلوب بدائي من قبل بعض تجار الأزمات المدعومين من قسد، محروقات ملوثة مسرطنة، جعلت من أجواء المحافظة بؤرة خصبة لانتشار أمراض القلب والدم والسرطانات.
وهنا لن نتحدث عن مافيات تهريب الاثار من المواقع الاثرية بالجزيرة على أهميتها الحضارية الكبيرة، في أسوأ حملة أمريكية منظمة للعبث بتاريخ المنطقة وتغيير سماتها الحضارية.
وحين نقول الجزيرة، فذلك يعني عربها وكردها وسريانها وأشورييها وأرمنها وكلدانها والشيشان والتركمان وباقي المكون الفسيفسائي الأجمل بالمنطقة.
الكل متضرر، والحصار والعوز يعيشه الجميع دون استثناء، إذ أن الجزيرة بكل جغرافيتها تتميز بتداخل ديمغرافي بين عموم المكون السكاني لها، فلا منطقة عربية صرف إلا وفيها بعض الكرد أو السريان أو سواهم وينسحب الأمر على كل المكون الباقي.
بالنتيجة، ليس من مصلحة أي من الأطراف، أمريكا وأدواتها، السعي لإيجاد حلول ولو حتى سياسية للمنطقة، فهذا العبث الحاصل يؤمن إضافة إلى عمليات النهب الممنهج، والحصار الجائر القائم، واستمرار الوجود الأميركي على الحدود القريبة من إيران عبر العراق بشكل خاص ثم تركيا، يشكل مسعى دائم لتطويق إيران وهي اليوم عامل دعم لقضايانا الاستراتيجية التي تصب في خانة العداء للمشروع الصهيو-أمريكي بالمنطقة .

حزب الشباب للبناء والتغيير/سوريا