كثيرةٌ الرسائل التهديدية والتهويلية التي يحملها المبعوثين وعمال الأطلسي إلى بلادنا، وهي ناشطة على غير خطّ وغير مستكينة وتتقاطع محادثاتهم ومقترحاتهم مع أهداف العدو اليهوديّ، ويضعون على الطاولة نموذج قتل الأطفال والنساء والتدمير الهمجيّ في غزّة. عجباً من المسؤولين الذين يلتقونهم في بلادنا بحجة أنهم غيارة علينا وحرص محبتهم ألا يصيبنا كما أصاب شعبنا في غزة.
كان الأولى بهؤلاء السياسيين ألا يستقبلوا أي مسؤول أجنبي أطلسي قبل وقف إطلاق النار في غزّة، لأن الموفد الذي يفاوضك في إيقاف الحرب على محورك سواء كنت لبنان أو الشام أو العراق، هو قاتلك وقاتل أطفالك. فالفرنسي والأميركي والبريطاني وغيرهم من “الأطلسي” شركاء فعليين في الحرب علينا في فلسطين حالياَ، كما كانوا في الماضي بل أكثر حقداً علينا اليوم. هذه المعركة هي معركة وجود قومي وحقوق قومية غير قابلة للمفاوضات وتدوير الزوايا وتكتيف الأيدي، وترك جزء من وطننا وشعبنا يُباد ويُحرق ويُسحق ويُحتلّ. هذا الاستفراد التدريجي في كياناتنا وقضمها من قبل اليهود وبالتالي خدمةً للمشروع الاستعماري الأطلسي هو من الأهداف الاستراتيجية للاستعمار الغربيّ واليهوديّ.
هذا النشاط التهديدي أخذ منحى التنفيذ العمليّ بالقصف الأطلسي على مواقع المقاومة لفرض تحييد الكيانات ومنعها من مقاومة العدوّ اليهوديّ وعزل فلسطين لتُقتل وحدها، يترافق مع الإصرار الأطلسي وغيره على الجريمة الكبرى التي سلبت الجزء الأكبر من أرضنا ووطننا في فلسطين والتي مكّنت اليهود من إقامة سلطة احتلال عسكريّ فيه. واليوم يتحدّثون عن نيّتهم في منح الفلسطينيين سلطة لهم في إدارة شؤونهم. ومن عجائب السياسة الغربية والأجنبية أن تطرد شعب من أرضه وأن تقيم شعب غريب جُمع من أصقاع الأرض وزرعه في فلسطين ثم يمنّون على الشعب المطرود من أرضه بحكم ذاتي تحت جناح الاحتلال والعجب النادر أن بعض حكّام الكيانات عندنا وبعض السياسيين يوافقون على ذلك والأغرب أن بعض دول العرب ليسوا موافقين فقط بل ذهبوا بعيداً بالتطبيع حتى وصلت وقاحتهم والخيانة إلى مساندة العدوّ اليهودي في سحق أبناء شعبنا.
مهمة المبعوثين السياسيين الأطلسيين هي محاولة إقناع محور المقاومة تارةً بالترهيب وتارةً بالترغيب، بما أقنعوا به بعض حكّام العرب في عدم مناصرة فلسطين وبناء سردية أن الفلسطينيين يسبّبون القلق والتوتر ويمنعون التقدم والازدهار في المنطقة، لأن التقدم والازدهار بعرفهم مرتبط في أمن اليهود واستقرارهم واستقرار الهيمنة الأطلسية على المنطقة. وعندما يطالب السوريون الفلسطينيون بحقوقهم الطبيعية ويرفضون قيام دولتهم بجوار الكيان اليهودي الزائل يُصنّفون إرهابيين، مع العلم أن تلك الدولة دولة اتفاقية “أوسلو” وحسب مندرجات الاتفاقية، هي دولة وهمية فاقدة أبسط معاني تعريف الدولة.
هذا المقترح الوهميّ ماذا ينتج عنه؟ ينتج عنه العودة إلى السلطة الفلسطينية التي شاهدناها في الربع الأخير من القرن الماضي. اسم سلطة لا معنى حقوقيّ له، وينتج عن ذلك الإقرار في حقّ اليهود في فلسطين والاعتراف بدولة العدوّ اليهوديّ المحتل الزائل. بالتالي انتقال الصراع من صراع وجودي مع العدو اليهودي إلى صراع حدودي، فمثلاً في لبنان يصير قادراً بقوّة القانون الجائر المفصّل على قياس المستعمر، أن ينفض يده من حقّه القومي في فلسطين ومن واجباته تجاه تحرير الأرض الفلسطينية المحتلة. ويصبح يفتش عن نقطة حدودية وضعها المحتل الفرنسي والإنكليزي يوم رسموا نفوذ كل دولة منهما في بلادنا ليثبت حدوده، وهكذا ينسحب الأمر على الشام والأردن. لذلك ننبه من هذا المسار الذي يفقدنا مسألتنا القومية فلسطين ويفقد حقّ شعبنا السوري في تحرير فلسطين من الغزاة اليهود. ولهذه الساعة فشلت حكوماتنا في حفظ حقوقها في فلسطين وفشلت بالقيام بواجباتها تجاه فلسطين.
أيّها السوريون، الوقت يضيق ولا مفرّ من الخطر اليهودي الذي لا يريد الاكتفاء في فلسطين بل يطمع باحتلال كل سورية، فواجب السوريين أن يقفوا أمّةً واحدة وأن تستعد الأمة السورية بكلّ قوة لمقاومة الخطر اليهودي وكل طامع أجنبي، وأن تقاوم عملائه الداخليين العاملين على تمزيق روحنا القومية والعاملين على النهي عن الكفاح المسلح والنهي بأساليب خبيثة عن القيام بالواجب القومي تجاه فلسطين وكل شبر من بلادنا سليب. ولكن ما يثلج صدرنا أن الإرادة القومية تفولذت شعبياً بعد السابع من أكتوبر، ولن تسمح هذه الإرادة من تحويل الصراع مع العدو اليهودي من صراع وجودي إلى صراع حدودي.