يمضي العدوان الاسرائيلي على غزة بوحشية نادرة في التاريخ على مرأى العالم ومسمعه. يطل رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو على الاعلام بشكل مكثف ليعلن بكل صلف وتجبر ان الحرب مستمرة حتى تحقيق أهدافها المعلنة وهي القضاء على “حماس” وتحرير الأسرى لديها، وهو هدف بعيد المنال، فلا الاسرى سيحررون ولا “حماس” ستزول من الوجود، والتجارب السابقة خير دليل. لن تفرط “حماس” بورقة الاسرى بلا ثمن مرتفع جدا وحين يحين موعد التسوية سيدرك نتنياهو وحلفاؤوه المتطرفون ان الحروب تنتهي بتسويات اذا لم يحقق احد طرفيها نصرا حاسما، وهم يعرفون ان ذلك صعب جدا.
الوضع في غزة كارثي بلا شك على المستوى الانساني، والهدف واضح جدا منذ اليوم الأول: تدمير القطاع تدميرا كليا وجعل الحياة مستحيلة فيه اليوم وغدا وبعده. فلا عمران قائما ولا مدارس ولا مستشفيات ولا زراعة ولا بنى تحتية. أرض بور تحتاج الى بناء من جديد. بلد بامه وأبيه يزال من الوجود وشعبه مشرد في العراء والخيام وما تبقى من أبنية متهالكة معرضة بدورها للتدمير على رؤوس اهلها في أي لحظة.
انها النكبة الثانية التي تحل بالفلسطينيين بعد نكبة 1948 اثر اقامة الكيان اليهودي وتشريد الشعب الفلسطيني في دول الجوار والعالم، يومها قيل للفلسطينيين انها مسألة أيام وتعودون وطالت الايام والسنين وما زالوا في مخيمات الشتات وفي قارات العالم. خمس وسبعون سنة ولم يتخلوا عن حقهم، جيل يسلم مفاتيح البيوت في حيفا ويافا وعكا واللد وصفد وغيرها الى الجيل التالي ويخبره بمواقع البيوت وبساتين الليمون.
ما أشبه اليوم بالبارحة، يومها تسابق العالم الى الاعتراف بالدولة المعلنة في الامم المتحدة، شرقه وغربه، حمى الغرب بكل قوته الكيان الصهيوني وقدم له الدعم المالي والعسكري والدبلوماسي والسياسي. ارادت اوروبا التخلص من اليهود فاعطتهم بريطانيا وعدا باقامة وطن على ارض ليست ارضهم وعلى حساب سعب عمره آلاف السنين في فلسطين التي كانت بلدا متقدما على محيطه في كل شيء.واليوم يهب العالم مرة جديدة للتآمر على الفلسطينيين فترسل اميركا وفرنسا وبريطاني اساطيلها الى البحرين الابيض المتوسط والاحمر من أجل حماية اسرائيل التي تملك أصلا كل ادوات التدمير والخراب بما في ذلك القنبلة الذرية التي يتعامى المجتمع الدولي عن وجودها عمدا.
انها منتهى الازدواجية والنفاق في تعامل الغرب مع الحرب على غزة، وخصوصا من الولايات المتحدة الاميركية، الاسرائيلية أكثر من نتنياهو نفسه. واشنطن تغطي الحرب على غزة بصفلقة وصلف وينبري رئيسها العجوز مع كل حدث الى تبني وجهات النظر الاسرائيلية والدفاع عنها. العالم الذي يسمي نفسه حرا وديموقراطيا يكشف عن وجهه الحقيقي ويظهر مخالبه عندما يتعلق الامر بفلسطين، انها معضلة الانسانية والاخلاق. هذا عالم بلا أخلاق سقطت فيه الاقنعة وانكشفت النوايا.
في الـ1948 كان العرب مجموعة دول فقيرة متخلفة يحكمها مندوبون للدول الاستعمارية او عملاء لها فانسحبت جيوشها من فلسطين بأوامر بريطانية وأميركية تاركة مجموعات مقاومة فقيرة التجهيزفي مواجهة العصابات الصهيونية والانكليز، واليوم يتفرج العرب على غزة تذبح، بل يهاجمون المقاومين الذين يواجهون العدوان حفاة عراة. ويعمل بعضهم على فك عزلتها وايصال الامدادات لها بعد منع الحوثيين سفنها من عبور البحر الاحمر. انه تواطؤ الشرق والغرب مرة جديدة، لكن المقاومة هذه المرة نبتت لها انياب وأظافر!