في منطقتنا كان وما يزال هنالك إتجاهان : الأول يدعو الى مقاومة المحتل والطامع بأرضنا وحقوقنا والآخر يدعو للرضوخ وحتى التنازل عن الحقوق من منطلق
أن العين لا تقاوم المخرز !
أصحاب هذا الإتجاه الأخير غالبا” ما يغمزون من قناة المؤمنين بالمقاومة كفلسفة حياة على أنهم أعداء الإستقرار والإزدهار والتقدم ولم تجلب مقاومتهم سوى الخراب لبلادهم ! في هذا الغمز الخبيث نوع من الضرب بعرض الحائط بكل المبادئ الإنسانية العظيمة التي تدعو الى الحرية والسيادة والإستقلال ، وفيه نوع من التنكر ومن التبخيس والإستهزاء بكافة التضحيات النبيلة بالأرواح التي قدمتها شرائح كثيرة من مجتمعنا في تصديها للغزاة قديما” وحديثا” وهو أيضا” يحمل دعوة مبطنة من هذا البعض للإنبطاح تماشيا” على قاعدة : “من سواك لنفسه ما ظلمك” أو عملا” بالمثل العامي : “ما مت ما شفت مين مات” ؟!!
في هذه الحال يصبح من الضروري تناول ظاهرة “الإنبطاح” بالتحليل الموضوعي ، والتدقيق في المنطلقات الفكرية والثقافية عند أصحابها والتي تشكل نظرتهم لمجمل الصراع العنيف الدائر من حولنا والتي رسخت لديهم قناعة بقبول الأمر الواقع أو الركون الى الحالة التي لا تتطلب تضحية” وعراكا” أو قلق راحة (موضوع التضحية بالكرامة مجرد وجهة نظر غير ذات أهمية) في بلادنا قد إختلطت المفاهيم عند البعض ممن نشأ على تربية رجعية وثقافة إنهزامية لا تفرق بين العز وبين الذل ولا تعي الإختلاف العميق بين مفهوم “الحياة” وما ينطوي عليه من مثل عليا كالحرية والواجب والسيادة والقوة وبين مفهوم “العيش” الذي يتمحور حول رغيف الخبز ولو كان معجونا” بالمهانة والعار !
ولشدة ما تمرس هذا البعض بالإنبطاح وأدمن المواقف الذليلة فقد راح ينظر الى من يشهر عنفوانه وينادي بالتمرد وعدم الرضوخ مهما كلف ذلك من تضحيات على أنه صاحب منطق شاذ ورجعي ولا يتناسب مع مفهومه أو نظرته هو للحياة “العصرية” التي يريدها وادعة ، هانئة ، وخالية من الصراع ولو على حساب كرامته التي تنازل عنها أصلا” بملء إرادته وبكامل وعيه وإدراكه !!!
إذن هي ثقافة وتربية تعلمان الخضوع والإنبطاح وتقومان على تفريغ الحياة من جوهرها الأجمل ألا وهو الحرية التي بدونها لا كرامة ولا عز ولا معنى للوجود !
هذه الثقافة الملتوية التي نشأ عليها البعض في بلادنا تحط من قيمة صاحبها الى مرتبة دنيا إذ يصبح جل همه في الحياة الحصول على رغيف الخبز بأي ثمن (معنوي) ولا مانع لديه أن من “يأخذ أمه يصبح عمه” كأئنا” من كان هذا العم !!!
هذا البعض قد تربى للأسف على أخلاق مشوهة ومريضة لا تغلب في الوجود سوى مصالحها الشخصية على أية مصلحة وطنية ولا يهمها في الحياة سوى منفعتها الخاصة ولو أدى ذلك الى دمار غيرها من أبناء وطنها وذلك تماشيا” مع المبدأ القائل : ” أنا ومن بعدي الطوفان ” !
هذه الفئة من الناس لو إكتفت بأن تمارس “هوايتها” المفضلة بالحياة وهي “الإنبطاح” من دون ضجيج لكانت كفت الآخرين شرها ولربما أثارت شفقتهم ولكنها مصرة على تعميم مفاهيمها الشاذة والإيحاء بأنها على صواب ولا تترك مناسبة أو فرصة إلا وتحاضر فيها عن محاسن طأطأة الرأس ومنافع الإنبطاح الكثيرة وفائدتها الكبيرة للصحة العامة !
إن مصائب الأمم ليس بما يأتيها من أخطار خارجية فقط بل بما يشكله بعض من أبناءها من عار عليها وما يسببه تآمر هذا البعض مع الخارج على حقوقها ومصالحها من أضرار هائلة بدافع من ثقافة إستسلامية ورجعية !
السيادة كما الكرامة ليسا وجهة نظر أيها السادة !