صدقي المقت.. منظّر رفض الحرية المشروطة

صدقي المقت.. منظّر رفض الحرية المشروطة

صدقي المقت الملقب ب “عميد الأسرى” هو مناضل سوري ضد الاحتلال وأسير سابق. المقت من مواليد مجدل شمس في الجولان 1967 وهو ينحدر من عائلة رفضت دومًا الاحتلال اليهودي للجولان حيث تمّ اعتقال والده سليمان المقت أكثر من مرّة ولفترات متباعدة كما اعتقل أخواه فخري وبشر، أما هو فقد كان ناشطًا في الأوساط الطلابيّة وشارك في جميع المظاهرات والاحتجاجات ضدّ الإحتلال قبل اعتقاله.
لُقِّب صدقي المقت بـ “عميد الأسرى السوريين” كونه أقدم أسير في التاريخ السوري المعاصر، إذ تمّ اعتقاله في 23 أيار من عام 1985 وتمّ الإفراج عنه في آب من عام 2012 بعد 27عامًا قضاها في سجون الاحتلال. وتمّت إعادة اعتقاله في 25 شباط 2015 بتهمة توثيق تعاون جيش الاحتلال مع عناصر من جبهة النصرة، ليعود ويُفرج عنه ليل الخميس الجمعة 9 / 10 كانون الثاني 2020 مع سوري آخر هو أمل أبو صلاح، وهو أيضًا من سكّان الجولان المحتلّ، في إطار عمليّة تبادل معقّدة سهّلتها روسيا وتّم خلالها إعادة رفاة جندي يهودي كان قد فُقِد خلال عملية اجتياح لبنان من قبل العدو عام 1982. وكان المقت قد رفض سابقًا إطلاق سراحه المشروط من قبل سلطات الإحتلال والقاضي بإبعاده عن الجولان السوري المحتل ومسقط رأسه.
اعتقال المقت الأول كان عام 1985 حين حاصرت قوات كبيرة من جيش الاحتلال يفوق تعدادها 300 جندي مدججين بأحدث الأسلحة الحي الذي كان يسكنه، واقتحمت منزله بطريقة همجية ووحشية، ليتم خلع باب المنزل بدون سابق إنذار والدخول إلى غرفة نوم صدقي وتعصيب عينيه وتقييد يديه خلف ظهره ووضِعه في سيارة عسكرية، بعد أن تم إبلاغ أهله من قبل الجنود بأن لديهم تعليمات بتفجير المنزل في حال قيام أحدهم بأي حركة، ومن ثم تم نقله إلى تحقيق الجلمة وعكا والرملة.
بتاريخ 23/8/1985 التحق الأسير صدقي المقت بأخيه بشر الذي اعتُقِل قبل 12 يومًا من ذلك التاريخ، وخضع للتحقيق المكثّف والقاسي.
وفي العشرين من أيار عام 1986 أصدرت المحكمة العسكرية الإسرائيلية حكما جائرًا عليه بالسجن لمدة 27 عامًا. من المدهش والعجيب والغريب أن القاضي الذي أصدر قرار الأسر بحق صدقي هو نفسه القاضي الذي أصدر الحكم بحق والده عام 1968!
بعد اعتقاله عام 1985 أطلقت سلطات العدو سراح الأسير المقت عام 2012 بعد قضائه 27 عامًا خلف القضبان، لتعتقله مجدّدًا في 25 شباط 2015 بعد مداهمة منزله في مجدل شمس بزعم تصويره تحركات جنود الاحتلال عند الحدود ورفعها عبر شبكة الانترنت ونشرها على بعض شاشات التلفزة بمساعدة آخرين لهم علاقة مع الدولة في الشام، ولم تتم محاكمته حتّى عام 2017.
حينها أصدرت محكمة الاحتلال المركزية في مدينة الناصرة، حكمها على الأسير، الذي كان مضربًا عن الطعام، بالسجن الفعلي 14 عامًا بتهمة التجسس ونقل المعلومات.
وبعد قضائه 5 سنوات داخل سجون الاحتلال، أفرجت سلطات الاحتلال عن المقت بتاريخ 10/1/2020، ليكون قد قضى 32 عاماً في سجون الاحتلال.
الإفراج عنه أتى بعد أن أبلغت مصلحة سجون الاحتلال عائلته أنها ستطلق سراحه قبل انتهاء مدة محكوميته. وفي بيان صدر عن مكتب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، قال أن “الحكومة صادقت على إطلاق سراح أسيرين سوريين كبادرة سياسية وحسن نية في أعقاب استرداد جثة الجندي زخريا باومل من سوريا إلى إسرائيل”.
خلال سنوات أسره عبّر “المقت” عن شوقه لرؤية “الجولان”، وقال: “كما السياج في “الجولان” هناك كل شيء يحاصرنا في داخل المعتقلات، الأسوار العالية والأسلاك، لا نستطيع أن نرى السماء إلا من خلال الأسلاك والقضبان، والإسمنت يحاصرنا، كنت أتشوق لأن أمشي على التراب، حرمنا أن نلامس التراب فأصبح حلمنا طيلة سنوات الأسر، كنت أحن أن أجلس على نبع ماء وسط أشجار كثيفة، ونهر يجري ومن حولي تلال عالية. كل شيء في الجولان هو أجمل من لوحة رسمها فنان”.
كما كتب ذات مرة:
“مابين دمشق والجولان والزنزانه
كل مشاعري كانت تنتفض فرحًا وأنا جالس قبالة الملحق العسكري الروسي داخل سجني. كنت أسمع صدى قبضة يد السيد الرئيس بشار الأسد وهو يضرب بها على الطاولة في دمشق. وبلحظات تهاوت الجدران من حولي وانهارات وفتحت كل الأبواب الحديدية المصفّحة. قالوا لي تفضل مطرودًا الى دمشق نحن من يقرر متى تذهب ومتى تعود وكم تبقى هناك.”
يروي المقت رفضه الخروج “هي لحظات سيأخذني معه الملحق العسكري الروسي الى دمشق.
دمشق يا حبي الكبير. دمشق يا عشقي الوحيد. دمشق ياحلم الطفولة. قلبي كان يستعد لعناق دمشق، وكاد يقفز من صدري ليسبقني الى هناك، وروحي كانت تحوم فوق قبر أمّي في الجولان. حينما قلت لا كان يجب أن أقول لا، وأن يعود جسدي الى الزنزانة فاقدًا القلب والروح كي أحطّم شروط الإحتلال.”
ويتابع “أهانوني بهذا العرض، إذ لا مكان لأحد بيني وبين دمشق والجولان، كيف سأتجول في شوارع دمشق وأقف أمام قبر الشهيد يوسف العظمة وأنا أحمل على كتفي هذا العار، أيعقل أن أستجدي المحتل بعد خمس سنوات وأنا في دمشق بأن يسمح لي بالانتقال من الوطن الى الوطن. أيعقل أن أكون في دمشق وللمحتل سلطة علي؟؟ يا لهذه الوقاحة التي لا تعرف الحدود.”
ويضيف “قلت لا، وكان يجب أن اقولها لأن كلّ ذرّة في جسدي وقلبي وروحي تقول لا.
لا لن أدخل دمشق حاملًا على كتفي شروط الاحتلال. لا لن أسير درب الألام تلك حتى ولو كانت توصلني الى الخلاص المزعوم.
عذرًا سيدي المسيح، أن أُرفع على صليبك أهون عليّ من عار المحتل. فحريتي كخارطة الوطن لا تتجزأ. لا لن اسمح لهذا المحتل أن يعبث بمشاعري الممتدّة من قبر أمي في الجولان المحتل الى قبر الشهيد يوسف العظمة في دمشق.”

صدقي المقت هو الجبل الحقيقي الذي صمد 32 عامًا في سجون الاحتلال وكسر قيد السجن والسجان.
أبناء الجولان وطنيون سوريون بامتياز وسيبقون كذلك أبد الدهر.