من يحارب غزة

من يحارب غزة

أثارت تصريحات الرئيس الأميركي بايدن التي أطلقها الأسبوع الماضي، خلافًا قديمًا جديدًا مع نتنياهو والتي وصلت بالرئيس بايدن الى حد المطالبة بإجراء تغيير سياسي جذري في الحكومة (الإسرائيلية) وضرورة اتباع أساليب قتالية أقل عنفًا في الحرب على غزة خاصة تجاه استهداف المدنيين، الأمر الذي أثار اللغط عند بعض و ألهب حماسة عند بعض آخر من حسني النية لدينا، والذين يفترضون جهل واشنطن لما يجري، وعلى أنه من الممكن تغيير قناعاتها وتطوير مواقفها ومقارباتها للشأن الفلسطيني بالحوار والاقناع وذلك عندما تكتشف واشنطن ظلم الاحتلال وحجم وقسوة جرائمه بحق الشعب الفلسطيني.

انشغلت الإدارة الأميركية بالحرب وتداعياتها، فقام وزير خارجيتها بلنكن بزيارات عده للمنطقة وشارك في اجتماعات مجلس الحرب الإسرائيلي (كابينت الحرب) وعندما طلب من الإسرائيليين التقليل من استهداف المدنيين والبنى التحتية والمباني السكنية، أجابه وزير الدفاع الإسرائيلي جالنت أنّ العنف المتبع في هذه الحرب هو أقل مما نصحنا به المستشارون العسكريون الأميركيّون الذين أرسلتموهم لنا، تبع زيارة وزير الخارجية الأميركي زيارات قام بها لفيف من رجال الصف الأول في واشنطن، وزير الدفاع و مدير المخابرات المركزية وأخيرًا مستشار الأمن القومي سوليفان الذي اتفق مع الإسرائيليين على استمرار الحرب بذات الوتيرة الحالية العنيفة حتى الأسبوع الأول من العام المقبل، ثم لتستمر لاحقًا لشهور عديدة وتتحول الى عنف أقل كثافة وإلى أهداف منتقاة وضربات نوعية مركزة، هذا ما عاد وأكده جون كيربي لاحقًا يوم السبت، وقد وضع شروط إنهاء الحرب بأن تستسلم قيادات حماس وتسلّم نفسها للاعتقال وأسلحتها وتخرج من حكم غزة وتفرج عن الأسرى لديها، شروط استسلام مطلق وهي شروط تذكر بشروط الحلفاء على ألمانيا النازية عام 1945 مع فارق أنّ حماس لا زالت من القوة بمكان تستطيع فيه أن توقع (بالإسرائيليين) من الخسائر أكثر مما يستطيعون هم باستثناء استهدافهم للمدنيين.

مع كل ما يتردد عن خلافات معلنة بين بايدن وإدارته ونتنياهو وحكومته ومن ورائه اليمين (الإسرائيلي)، إلّا أنّ الدعم العسكري والسياسي يتواصل من الإدارة الأميركية لا بل والقبول باستمرار الحرب بذات الوتيرة حتى مطلع العام القادم من القتل والتدمير، بكلمة أخرى فإنّ كل ما قيل وكل ما نشر من قبل المتفائلين حول تغيير في مقاربات واشنطن للشأن الفلسطيني بقي حبرًا على ورق وكلامًا في الهواء ولم يجد له أي ترجمة على أرض الواقع وميادين القتال، وها هو السلاح الأميركي يتدفق بكميات وافره ليذهب فورًا الى جبهة غزة دون المرور بمخازن الجيش، فالجهود الأميركية تصبّ حقيقة في مصلحة استمرار الحرب وها هو الغطاء السياسي مستمر والفيتو مرفوع بشكل مسبق في مجلس الأمن ضد كل ما يمس (بإسرائيل)، و ما بدا من أقوال الرئيس بايدن فإنّها ليست إلّا استهدافًا للشأن الداخلي الأميركي وللصوت الانتخابي الذي يبدي تحوّلات في غير صالح الحزب الديمقراطي وبايدن.

في بداية حرب تشرين الثانية كان الرئيس الأميركي أوّل الزائرين لتل ابيب دعمًا وإسنادًا، وكان أكثر من تطوع لتقديم شهادات الزور وتبني الرواية (الإسرائيلية) المتهافتة التي تحدثت عن قطع رؤوس الأطفال اليهود واغتصاب النساء والتي ثبت كذبها، أمّا أثناء الحرب فقد أرسلت واشنطن لتل ابيب حسب ما أعلن لا حسب ما لم يعلن عنه والذي هو أخطر وأكثر، 200 طائرة وعدد كبير من الضباط الخبراء في حرب المدن ومِن مَن ساهموا في قتل العراقيين والأفغان وتدمير بلادهم ثلاثة منهم برتبه فريق أوّل (STAR GENERAL ) لتزويد الجيش الإسرائيلي بالنصح والإرشاد وهم من وصفهم جالنت في حواره مع بلنكن أنّهم أكثر دموية وتطرفًا من الجنرالات والضباط الاسرائيليين كما زودت الإدارة الأمريكية اسرائيل ب 29,000 قنبلة ذكية تصل أوزان بعضها الى 2000 رطل ولا نعرف مقدار أو عدد القنابل غير الذكية.

يوم الجمعة الماضي نقلت ان بي سي (NBC) عن مصدر في البيت الأبيض قوله: يجب علينا الاعتراف بأنّ هذه الحرب ليست حربنا في نهاية المطاف. إنّه كلام عجيب أذ مع كل ما حصلت عليه (إسرائيل) وما زالت تتلقاه من دعم فثمة من يقول في واشنطن بأنّ هذه الحرب ليست حربها، لكن الحقيقة تقول غير ذلك: فهي حربهم بالدرجة الأولى وهم من يقودها ويحوّلها ويموّلها ويطيل في عمرها وما إسرائيل الا الأداة التنفيذية ومعها من يستعجلون القضاء على المقاومة ويشاركون في تجويع غزة وحصارها، بالضبط كما كانت دول عربية وإسلامية أداة في حرب أميركا على أفغانستان والعراق، هذه الحرب تتجاوز بايدن ونتنياهو وخلافاتهم الصغيرة، إنّها حرب الدولة العميقة والمصالح الكبرى.