لم يكن شابا عاديا، لم يشبه الكثيرين من أبناء جيله، ولم يأبه لصعوبات الحياة في العيش والتعلم وتطوير الذات… تفوقه الدراسي، فضلا عن أخلاقه ومناقبيته وإيمان عائلته المتواضعة به وبقدراته، مكنوه من تجاوز كل المعوقات ومتابعة دراسته الجامعية في موسكو والتخرج من أحد معاهدها الجامعية مهندسا مدنيا بدرجة إمتياز جعلته محط أنظار وثقة أهله ورفقائه وكل من عرفه…
إيمانه بالعقيدة السورية القومية الاجتماعية، وانتماؤه للحزب السوري القومي الاجتماعي كان بديهيا كونه ولد من صلب عائلة سليم في الصرفند التي اجتمعت كلها، وبدون أي استثناء، على نفس الإيمان العقائدي الذي جعله الأجداد والآباء شعارا لبيوتهم وإيمانا لعائلاتهم وفق قسمهم الحزبي. فجده الرفيق الراحل الحاج حسين سليم كان أحد حراس الزعيم أثناء فترة الملاحقة عام 1949، وأجمعت كل ذريته على الإنتماء نفسه رغم كل المعاناة الحياتية التي عانوا منها كغيرهم من فقراء الجنوب وخصوصا صيادي الأسماك، وهي المهنة الوحيدة التي أتقنها والد الشهيد الرفيق محمد وكل أخوته الذين طالما اضطروا للسفر إلى ليبيا بحثا عن رزقتهم البحرية نتيجة ضمورها في لبنان. وقد فقدوا في ليبيا أحدهم أثناء الغطس في أعماق البحر الليبي لصيد الإسفنج البحري، وهو المرحوم وسام الذي حمل شهيدنا البطل اسمه تيمنا به.
كل ما سبق يبقى سردا عاديا لنشأة شاب متفوق ونشيط وطموح كالمهندس وسام، إلا أن ما ميزه عن أبناء جيله هو السبق، ليس لبناء المنزل الأفضل، وليس لتحصيل المال ولا الشهرة المهنية، بل السبق إلى الشهادة الأعلى والأسمى والأزكى، وهي شهادة الدم على طريق فلسطين إستجابة للتعبئة التي دعى إليها رئيس الحزب ورفدا لإستعدادات عمدة الدفاع بالكادر الكفؤ علميا ورياضيا وتعبويا، لتغطية حاجات الجبهة عند المسافة صفر من الحدود مع فلسطين المحتلة التي آمن الشهيد وسام بالقدرة على تحريرها من الإغتصاب اليهودي.
لقد تطوع وسام وتدرب على سلاح المدفعية وشارك بالعمليات القتالية وفق خطة عمدة الدفاع وذلك بعلم ومباركة أهله الذين شاركوا سابقا في القتال بصفوف الحزب ضد العدو وعملائه في السبعينات والثمانينات التي اعتبروها أيام العز للحزب والمقاومة الوطنية التي قوضتها المؤامرة من خلال اغتيال رمزها الشهيد العميد محمد سليم عام 1985، وذلك قبل عدة سنوات من ولادة الشهيد وسام. إلا أن الأهل زرعوا في وسام ذلك الأمل بالعودة إلى زمن العز واستعادة دور الحزب في المقاومة الوطنية، وهذا ما تحقق لهم من خلال شهادة وسام الذي يرفضون وضعه في عداد الأموات لأنه أحيا بشهادته الحياة والأمل بالنصر القريب لكل من آمن بعقيدة سعاده العظيم.
لقد أوصى وسام بوهب أعضائه للمحتاجين، وكأنه يعلم أن لحظة استشهاده اقتربت، وهو قد أعلن عنها بدردشة صوتية مع إبن عمته مرددا: “إستشهاديين إستشهاديين”، لكن طبيعة إصابته لم تترك مجالا لوهب أي من أعضائه تنفيذا للوصية، لكنه لم يكن يدرك أنه وهبنا أكثر من أعضاء جسده بكثير، وهبنا الروح مفاعلا حياتيا يمنح الحياة والحب والأمل والعز والمجد والإباء والكبرياء لكل من عرفه أو تعرف عليه بعد استشهاده. فها هي الألوف من القوميين الاجتماعيين يندفعون للانخراط في مؤسسات الحزب التي عادت إلى تكريس دورها كحركة الشعب العامة واستعادة ألقها في عملية المقاومة والتحرير إلى جانب كل قوى المقاومة الحليفة في أمتنا.
فما أعظمك وما أكرمك يا وسام
لقد أحييت فينا الحياة والحب والأمل
17 كانون الأول 2023
عضو المجلس الأعلى في الحزب السوري القومي الاجتماعي الأمين خضر سليم