من الشخصيات العالمية التي تحولت إلى نماذج لإدانة الغرب الرأسمالي المتوحش وعقله الإجرامي الذي يغطي الفظائع الصهيونية ضد المدنيين في غزة، ولا يتورع عن انتهاك وارتكاب أحط الأساليب وأقذرها دفاعا عن عالم الشركات ونهبها، شخصية لومومبا في الكونغو كما سلفادورالليندي في تشيلي والمغربي المهدي بن بركة الذي اغتيل في باريس، وانطون سعادة في بيروت، حيث شارك في اختطافهم أو اعتقالهم واغتيالهم أكثر من جهة استخباراتية دولية إمبريالية بالإضافة للأجهزة الصهيونية.
في ذروة الاستعمار الأوروبي لإفريقيا كانت الكونغو من حصة بلجيكا التي دخلتها بحجة تحرير القارة من تجار الرقيق المسلمين، فكان أن حولتها إلى مستعمرة رقيق بكاملها.
وقد تخلصت الكونغو من هذا الاستعمار 1960، بعد كفاح وطني إلى جانب شعوب القارة الأخرى ضد بقية البلدان الأوروبية المستعمرة (فرنسا – بريطانيا – إيطاليا – ألمانيا – إسبانيا – البرتغال…) وكان لمصر عبد الناصر والبلدان الاشتراكية في حينه مساهماتها الكبيرة في دعم هذا الكفاح.
في كتابه (أسرار اغتيال لومومبا) الصادر عن دار قدمس في سوريا، يكشف الصحفي والكاتب الفرنسي لودو دو فيته، تفاصيل الانتقام البلجيكي (المدعوم من (إسرائيل) والأمريكان والإنجليز) من قادة التحرر وعلى رأسهم باتريس لومومبا الذي كان معتقلاً لحظة التحرير، الأمر الذي وضع ثقة شعب الكونغو فيه، وانتخابه لأول برلمان كونغولي، ونال مع رفاقه الأكثرية اللازمة لتولي رئاسة الحكومة، وهو الأمر الذي تسبب في السعار السياسي لتحالف المستعمرين وأدواتهم المحلية بمن فيهم رجال الدين، خوفاً من تأميم مناجم النحاس، فجرت عدة لقاءات سرية بين رجال الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية والبريطانية والبلجيكية وقرروا التخلص من لومومبا في عملية تحت اسم (براكودا)، وشنوا حملة ضده باعتباره (عميلاً) لموسكو وجمال عبدالناصر.
ومما جاء في هذه الحملة، مقالات تتهمه بالكفر والشيوعية (رغم أنه لم يكن ملحداً ولا شيوعياً) وزار أمريكا لتثبيت استقلال بلاده، بل إن الصحافة البريطانية نشرت مقالات لكتاب وسياسيين عملاء لها من الكونغو، تحت عناوين مثل (أيها الكونغوليين، لومومبا يبيع نساءكم إلى روسيا) وعندما اختطفوه وأخفوا مكان وجوده، تمهيداً لإعدامه كتبت الصحافة البريطاني عناوين مثل (الرئيس الجبان يهرب من الشعب). هكذا جرت الأمور لسببين: الخوف من عدوى الثورة إلى بقية إفريقيا، والخوف على مناجم النحاس في إقليم كاتنغا (شابا لاحقاً).
وبعد خطفه تم تسليمه إلى تشومبي رئيس مقاطعة كاتنجا (شابا) ونفذ فيه حكم الإعدام بتاريخ 17/1/1961 بالطريقة نفسها التي استخدمت مع غيفارا بعد أسره في جبال بوليفيا سنة 1967، بل إن الضابط (الأسود) الذي قتله اعترف لاحقاً بأنه احتفظ باثنين من أسنانه بعد انتزاعهما وتسليمهما لجهة استخباراتية غربية، قد تكون أمريكية أو بريطانية أو بلجيكية.
أما الأطراف المباشرة التي تورطت في اغتياله فهي:
1. ملك بلجيكا وجهاز استخباراته وقلم الاستخبارات في شركة النحاس في كاتنغا.
2. المخابرات الأمريكية برئاسة دالاس، والبريطانية بعد تغطية قرارهما من رئيس الوزراء البريطاني، هارولد ماكيلان، والرئيس الأمريكي كينيدي، الذي حل محل إيزنهاور الذي كان متواطئاً أيضاً…
3. الأمم المتحدة ممثلة بأمينها العام، داغ همر شولد، الذي وفر الغطاء (القبعات الزرق) للوحدات البلجيكية.
4. فريق العملاء من الكونغوليين: رئيس الدولة كاسافوبو، وقائد الحرس موبوتو، الذي انقلب على الأول، وحاكم كاتنغا تشومبي، الذي انقلب على موبوتو.
إلى ذلك، يشار إلى أن معظم الذين تورطوا في هذه الجريمة، قتلوا في ظروف مختلفة، ومنهم الرئيس الأمريكي وسكرتير الأمم المتحدة ومعظم العملاء الكونغوليين. وبالمقابل فقد تم تكريم لومومبا عبر إطلاق اسمه على مؤسسات وهيئات وجوائز عالمية عديدة بينها جامعة الصداقة في موسكو.