الثقافة لن تكون باباً للتطبيع

في إحدى مقابلاته الاعلامية، قال رئيس الكيان الصهيوني الأسبق، شيمون بيريس، إنّ المثقّفين هم صانعو السلام، وليس السياسيون. جُملةٌ على ما يبدو، تلقّفها بعض “مثقّفي” الغرب المتصهينين، الذين كانوا سينضمّون الى نشاط المركز الثقافي الفرنسي في لبنان،”بيروت كُتُب”، قبل الحملة الثقافية والاعلامية التي شُنّت عليهم، وأجبرتهم على الانسحاب.

يمتدّ “بيروت كتب”، الذي سيُنظّم في مختلف المناطق اللبنانية، وهو مهرجان أدبي دولي فرنكوفوني، حوالى 12 يوماً، ويجول معظم المناطق اللبنانية، كما أنه يحاكي مختلف الأعمار، وفيه أكثر من 100 كاتب وأكاديمي ومثقف من حوالى 13 دولة مدعوون ليكونوا في لبنان ضمن هذه الأنشطة.

من بين هؤلاء، ثلاثة نماذج من عتات التطرّف ومناصري الكيان اليهودي، هم:
-باسكال بروكنير، الذي قال في مقابلة له مع إحدى القنوات الصهيونية: “في الشرق العربي المسلم المتخلف، اسرائيل هي المنارة”.
-إريك ــ إيمانويل شميت، وهو بلجيكي من أصل فرنسي، أهتمامه الوحيد هو “السلام” بين العرب واسرائيل.
-بيار أسولين، وهو روائي وناقد فرنسي يدافع عن أي روائي عربي مطبّع مع “اسرائيل”، يُشجّع على التطبيع ويحتوي ويحمي الروائيين العرب المطبعين.

موقفٌ مُتقدّمٌ أعلنه وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال، محمد وسام مرتضى، الذي قال إنّ “الوزارة لن يكون في مقدورها، قانوناً وانتماء إلى الحق، أن تفتح الباب لثقافة صهيونية ولو مقنعة، أو أن تشرع لبنان ليكون منبراً دعائياً لأدب صهيوني المحتوى ولأدباء صهيونيي الأهداف والمقاصد والهوى”.

وأوضح أنّ هذا الموقف جاء من منطلق أنّ «القوانين اللبنانية التي تعبر عن مشيئة الشعب بكامل أطيافه، وكذلك قيم أبناء هذا الوطن وأخلاقياتهم وتضحياتهم، تحظر كل أنواع التطبيع مع العدو، بما فيها التطبيع الثقافي مباشرة أو مواربة».

وحذّر من «استغلال الحراك الثقافي في سبيل الترويج للصهيونية وخططها الإحتلالية العدوانية الظاهرة والخفية، التي بدأت بالأرض ولن تنتهي بالعقول»، موضحاً أنّ «التطبيع الثقافي أشدّ ضرراً على الوطن وكيانه ومستقبله من أي تطبيع سياسي أو أمني أو عسكري».

هذا الموقف الرسمي، والوطني المُشرّف، الذّي ثبّته الوزير مرتضى، لم يردع بعض الأصوات الذّليلة، من استنكاره. حيث غرّد النائب سامي الجميّل، مستنكراً “الارهاب الفكري”، الذي تعرّض له الكتّاب الصهاينة المنسحبين من المهرجان! إلّا أنّ الالتفاف الشعبي والسياسي والاعلاميّ، كان صداه أقوى وأفعل.

من هنا، لا بُدّ من تسليط الضوء على الحملة التي قامت بها مجموعة من المثقّفين، على مستويات مختلفة طالت الاعلام والسياسة والتربية، وأحد محرّكي هذه الحملة هو رئيس الجمعية الوطنية لمقاومة التطبيع، الدكتور عبد الملك سكرية.

وفي حديثٍ له، مع “صباح الخير-البناء”، أعلن سكّريّة أنه “كان هناك استهجان منذ اللحظة الأولى بشأن قدومهم”، سائلاً: “على أي أساس يأتون؟ هل هؤلاء مثقفون محايدون؟”

وأوضح سكرية أنّه “في الأجهزة الثقافية عموماً، هناك رسائل يستفيد منها الحضور، ولكن في حال أتى مثقف مؤيد للعدو، فـ “بلا منه ومن ثقافته”.

وشدّد سكريّة على أنّ “المؤيّد لـ “اسرائيل” ليس مثقفاً بل أتى برسالة للترويج للتطبيع مع العدو الصهيوني من خلال خوض معركة الوعي والرأي العام عبر بث أفكار تشوش وتضلل الناس البسطاء وغير المحصنين بالوعي الكافي وغير الملتزمين حزبياً”.

وأوضح أنّ “هؤلاء ينبهرون بمثقف أوروبي يحمل جوائزاً، فيسهل عليه التسويق بشكل غير مباشر للرواية الصهيونية للصراع”.

كما قال سكرية إنّ “مجيؤهم الى لبنان خطر لأنه يشكل علاقات مباشرة مع مثقفين وناشطين ومع الناس، ويروجون لأفكارهم وخطابهم. تحت أسماء براقة ولامعة عن التعايش والسلام”، معتبراً أنّ هذا “كلام حق يراد به باطل”.

وشدّد على أنّ “التطبيع الثقافي يهدف الى كي الوعي، وكسر الارادة، وهزم العقول، اي استكمال الاهداف العسكرية بهزيمة حضارية، والى تثبيت “اسرائيل” كدولة شرعية من دول المنطقة وتأمين الغطاء الثقافي والاخلاقي للاحتلال”، قائلاً: “بذلك، يروّجون لأنّ المقاومة إرهاب”.

كما رأى سكرية أنّه “يجب التمحيص بأي مثقف غربي، بخلفياته ورسالته وخطابه”. وأكّد أنه في ظلّ الانقسام الحاصل، “لا ينقصنا من يصبّ الزيت على النار”.

كما أكّد أنّ “الانقسام هو ما يشجع هؤلاء على القيام بما يفعلون، حيث يعتبرون أن هناك أرضية خصبة لخطابهم، وهناك شريحة ستتجاوب معهم، يسوقون خطابهم عبرها. ويشدون بعض البسطاء مدّعي الثقافة الى جانبهم”.

“اسرائيل” تلك، لنا في تحطيم آمالها صولاتٌ وجولات. كسرنا صخر جبروتها مراتٍ ومرات، من الرصاصات الاولى في بيروت، فتحرير الجنوب، وصولاً الى التوابيت المتنقلة في حرب تموز،
من دون أن ننسى صمود شعبنا في فلسطين مصنع الابطال و المقاومين، مصنع الرعب لذلك الكيان الغاصب، وثورةٌ بدأت بثورة الحجارة، فأصبحت ثورة علمية بقوة صاروخية و طائرات مسيرة وعقول هندسية وتكتيكية تزرع الخوف في صدور العدو، وصولاً الى محاولات التطبيع المستمرة عبر سرقة النفط والترسيم.. فكانت المقاومة في المرصاد.

لم تمروا بالحرب، ولن تمروا بالسلم من بلاد الشهيد كمال خير بيك، ويحيا عياش، وباسل الاعرج، وحسان اللقيس، وكوكبة الابطال.