المحبة القومية هي من أهم القيم الكامنة في جوهر الفلسفة القومية الإجتماعية وقد شدّد عليها سعاده في كتاباته معتبراً ان المحبة ومعها الحرية والسلام هي مزايا متأصلة في قومه[1] وهي على نقيض البغض والأنانية الفردية المنحطة، القاتلة، والمانعة للتعاون. والمحبة الحقيقية، يعتبر سعاده، هي أساس حقيقي للهناء العام وهي قوة خفية تملأ النفوس صدقاً وإخلاصاً ووفاء وترفعها نحو المثال الأعلى وتوّلد التعاون في المجتمع من أجل الخير وتقود إلى فلاحه وسعادته.[2]
والمحبة القومية هي الآخاء القومي والتعاطف الإنساني والتساهل بين الناس وهي التواضع والتسامح والكلام الطيب. هي صلاح النفوس وصفاء القلوب ووفاء الناس وتعاونهم وإخلاصهم لبعضهم وتفانيهم في سبيل وطنهم وأمتهم. وهي مودة صافية وميل صادق وعطاء سخي وقيمة عالية كالشجرة الطيبة ذات الجذور الراسخة والأغصان المثمرة. فهي روح الإيمان القومي وغذاء الأرواح النبيلة الطامحة بتحقيق وجود سامٍ وهي نور العقول المبدعة وقرة العيون البصيرة.
وعلامات المحبة القومية تظهر في القلوب المفعمة بالإيمان والمشاعر الصادقة والأحاسيس النبيلة بآلام الشعب وحاجاتة وتوقه لبناء الحياة المشّعة خيراً وعدلاً وجمالاً وتألقاً.. أما ثمراتها فنراها في الأعمال الصالحة، في خدمة الناس والعمل لسعادتهم وهنائهم، وفي السعي لخير المجتمع وفلاحه. وهذه المحبة التي تنمو بالتعاليم القومية السامية، ترسِّخُ الإيمان العظيم في القلوب وتدفع المؤمنين للصدق في أقوالهم وأفعالهم وفي تعاملهم مع الآخرين وتحثّهم لتحمل المشقات والآلام والمتاعب وللصبر على الشدائد والمكاره.
والمحبة القومية الصادقة هي روح الحياة القومية وجوهر الأماني ونهاية الآمال. غايتها حسن الحياة وخيرها وجمالها وتحقيق مصلحة الأمة ورقيها. لذلك فهي تدفع بالمؤمنين للصراع في سبيل أمتهم وخيرها ونهضتها وتحثّهم لمعرفة حقوقها والدفاع عنها. وهي تشير إليهم بالإبتعاد عن المعاصي والإساءات والأفعال القبيحة المضرة بحياة المجتمع وسلامته وبأن يتغلبوا على الشهوات وينبذوا الرذائل والأحقاد والمثالب المدمرة وأن يكونوا مواطنين صالحين يمارسون الفضائل الجميلة في حياتهم ويعبِّرون عن حقيقة أمتهم ومثلها العليا.
ويؤكد سعاده ان نهضة شعبه هي ضرورية للتمدن وهناء البشرية جمعاء، ولكن يجب ان ترتكز على نفسية متينة يثبتها في القلوب والنفوس ليصبح “لها إيمان واحد قائم على المحبة، المحبة التي إذا وجدت في نفوس شعب بكامله أوجدت في وسطه تعاوناً خالصاً وتعاطفاً جميلاً يملأ الحياة آمالاً ونشاطاً.”[3]
والفلسفةُ القومية الإجتماعية المبنية على الولاءِ للمجتمعِ وعلى الحبِّ لهُ لا تعترفُ بمثالب الدجل والمكر والرياء ولا بالبُغضِ والحقدِ والضغينةِ أساسًا للحياةِ. بلْ هي تُنادي بالتسامح القومي وتعملُ للوحدةِ والألفةِ والانسجامِ بينَ أبناءِ المجتمعِ الواحدِ. إنها دعوة حقيقية ليقظة الشعب السوري ولبناء مجتمع أمثل قائم على المحبة القومية وخال من الكراهية ومن كل أشكال التفرقة والإنقسامات.
وهي دعوة صادقة لتآلف القلوب وللتوحد والإنصهار في بوتقة قومية جامعة وفي خطة نظامية واحدة تتوحد فيها الجهود والإمكانيات لتصب كلها في غاية واحدة هي مصلحة الأمة التي هي فوق كل الإعتبارات والمصالح الخصوصية الجزئية.
سعاده اعتبر ان ترك تعاليم المحبة والتساهل والتراحم هو السبب في جمود أمم العالم العربي.[4] وبرأيه ان “التراحم الداخلي هو أساس كل مجتمع يريد ألا يخرب”[5] وان التساهل، كما علّم السيد المسيح وأيَّده الإسلام المحمدي، غايته “سلامة المجتمع وفلاحه.”[6] لذلك إذا أردنا ان نحقق الحياة الجميلة الراقية، علينا ان نسحق المثالب الفاسدة في حياتنا ونُحيي المناقب الجميلة والأخلاق الصحيحة ونعمل بمبدأ الآخاء القومي وبمبدأ الحب الكلي لكل ما هو سام وجميل: حب الحق ونصرته، حب الخير وزيادته، حب الجمال وتجسيده، حب السلام وتوطيده وحب الحقائق والمعرفة الفاضلة وإنتاجها ليرتقي المجتمع ولتصل الإنسانية إلى عالم أجود وسعيد. يقول سعاده: “الحركة السورية القومية الإجتماعية لم تنشأ لخدمة الموتى وإحياء المثالب، بل نشأت لإحياء المناقب الجميلة السامية، لتحيا أمة عظيمة بأجيالها المتجددة بالتعاليم الجديدة المحيية.”[7]
وبتعليمه التثقيفي المناقبي يشدّد سعاده على محبة الشعب ونبذ الأحقاد والضغائن. ففي ندائه إلى القوميين الإجتماعيين عام 1937 يقول: “إذا كان السيد بيار جميل قد طلب سحق رأسي فأنا أريد سلامة رأسه. لأن المبدأ الذي أتمشى عليه هو مبدأ القومية، وهو المبدأ الذي يدعونا إلى محبة أبناء قومنا وجلب الإصلاح القومي لهم.”[8]
إن القومية الإجتماعية بمناقبها الجديدة وحّدتنا نحن القوميين الإجتماعيين في وحدة روحية متينة وجعلت منا كتلة واحدة وهيئة إجتماعية انتصرت فيها المحبة القومية والوئام الإجتماعي وتحقق فيها الوعي والمعرفة لحقيقتنا ولأهدافنا في الحياة… بفضل القومية الإجتماعية، نحن ننهض بحب عظيم لشعبنا لا حدود له وبمنافب جديدة تبغي الخير العام والتفاني من أجله. وبدافع هذا الحب لشعبنا ولوطننا، نحن نصارع في سبيل تحقيق الحياة الحرة، الجميلة، ونعمل بعزم وتفانِ وإخلاص ونسير بخطى ثابتة وإيمان لا يتزعزع في عقيدة جلية تساوي وجودنا من اجلها نقف معاً ونسقط كلنا معاً.
[1] أنطون سعاده، الآثار الكاملة 1- أدب، بيروت، 1960، ص 147.
[2] أنطون سعاده، الإسلام في رسالتيه المسيحية والمحمدية، سلسلة النظام الجديد، الطبعة الرابعة، 1977، ص 61.
[3] أنطون سعاده، الآثار الكاملة 1- أدب، بيروت، 1960، ص 147.
[4] أنطون سعاده، الإسلام في رسالتيه المسيحية والمحمدية، سلسلة النظام الجديد، الطبعة الرابعة، 1977، ص 82.
[5] المرجع ذاته، ص 84.
[6] المرجع ذاته، ص 86.
[7] أنطون سعاده في مغتربه القسري 1944-1945، الآثار الكاملة 12، ص 26.
[8] أنطون سعاده، الآثار الكاملة – الجزء الثالث 1937، الطبعة الأولى، بيروت 1978، ص 76.
د. ادمون ملحم