لم يكن خبر زيارة وفد من حماس لدمشق الاسبوع الفائت خبراً صادماً أو مفاجئا،ً وإنما كان متوقعاً بعد سلسلة من التصريحات والتسريبات عن نية حركة حماس اعادة العلاقات مع الدولة السورية. هذه العلاقات التي انهارات عقب اندلاع الحرب على سورية وأخذ حركة حماس لموقف معادي للدولة السورية على كافة المنابر والوسائل الاعلامية واستضافة غزة التي لطالما دعمتها الدولة السورية بالسلاح والغذاء وضحت بالكثير من أجلها لمظاهرات معادية للدولة وللرئيس السوري بشار الأسد.
لم تأتِ زيارة أمين عام حركة حماس، اسماعيل هنية، لموسكو لبحث الشؤون التي تتعلق بالمسألة الفلسطينية وأنما كان لها الدو الأكبر في العودة الى سورية وكما هو من المعروف أن موسكو ما زالت تعامل سورية قولاً وفعلاً على أنها حليف استراتيجي في المنطقة والعالم.
هذه الزيارة من جهة، وإرضاء الحليفين القديمين حزب الله وايران اللذين ضغطا بقوة لعودة العلاقات من جهة أخرى، أنتجتا بياناً صادراً عن حركة حماس، وُصف بـ “الاعتذار الواضح” أعربت فيه الحركة عن “تقديرها للجمهورية العربية السورية قيادةً وشعباً؛ لدورها في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة”.
بالعودة الى قرار الحركة بإعادة العلاقات مع سورية، إن هذا القرار بُتّ قبل عشرة أشهر، مع فوز الجناح الحليف لحزب الله وايران بالانتخابات الداخلية للحركة وسعيهم للتخلص من الحرج الذي أوقعتهم به حركة الإخوان المسلمين من جهة. ومن جهة أخرى هو تغير المعادلات في سورية ونجاح الدولة السورية ببسط سيطرتها واسترجاع أكثر من 85% من الأراضي.
هذا ويشير بعض المحللين السياسيين، الى أن قرار حماس هذا له علاقة بمسألة التمثيل السياسي الوحيد للفلسطينيين عبر التقرب من جميع الدول في المنطقة والعالم العربي وحتى الدول التي قامت بالتطبيع مع التأكيد على عدم موافقتها على التطبيع وهذا ما تقاتل من أجله حماس لكسب شرعية اعتراف من المجتمع الدولي. وهنا يجب ذكر مشهد أثار حفيظة السلطة الفلسطينية ممثلة بمحمود عباس، عندما قام عرض عسكري في الجزائر وجلس اسماعيل هنية بمكان قريب من مكان عباس في مشهد يوحي بأن هناك أكثر من ممثل للفلسطينيين.
يذكر أن قائد حركة الجهار الإسلامي، زياد النخالة، الذي ترأس الوفد الفلسطيني الذي زار الرئيس الأسد، لعب دوراً مهماً ومحورياً في احياء العلاقات بين حركة حماس والدولة السورية.
من جهة أخرى لم يكن ذكر الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية العربية السورية على مواقع التواصل الاجتماعي لخبر زيارة وفد الفصائل الفلسطينية بـ “الخبر العادي”. فعند القراءة بين السطور، نلاحظ أن الدولة السورية تعامل الفلسطينين سواسية وأنها تتعامل معهم بصفتهم يملكون مسألة عادلة يجب الوقوف معهم.
ولم تركز كثيراً على مضمون الوفد ومن يحتوي وإنما اكتفت بذكر زيارة لوفد قوى المقاومة الفلسطينية كتعبير عام.
من جانب أخر تباينت ردود الافعال داخل الحركة بين مؤيد ومعارض وهذه الردود ليست وليدة اليوم، فدائماً ما كان هناك “راء مختلفة داخل الحركة حول الموقف من الدولة السورية. على سبيل المثال، في يوليو 2019، أثنى القيادي محمود الزهار عضو المكتب السياسي لحركة حماس في تصريحات صحفية على الرئيس بشار الأسد، وقال “فتح لنا كل الدنيا، لقد كنّا نتحرّك في سوريا كما لو كنّا نتحرّك في فلسطين، وفجأة انهارت العلاقة على خلفية الأزمة السورية، وأعتقد أنه كان الأولى ألا نتركه وألا ندخل معه أو ضده في مجريات الأزمة”.
وفي سياق أخر أكد عيسى خيري الجعبري رفضه لهذا الاتفاق والعودة لاحياء العلاقات مع سورية ليرد عليه باسم زعارير، عضو المجلس التشريعي ” المطبعون والمتنكرون لقضيتنا، والمحاصِرون لمقاومتنا لم يتركوا لنا خيارا”.
ودافع حسن خريشة، عضو المجلس التشريعي المستقل لدورتين متتاليتين في المجلس، عن عودة العلاقة، معتبرا أنها “الوضع الطبيعي، لأن سوريا هي مركز المثلث لمحور المقاومة، وفلسطين هي بوصلة المحور”. ووجه “التحية لمن اتخذ القرار وشجع عليه..” الأصدقاء والحلفاء معروفون، وأيضا أعداء شعبنا والمطبعون معروفون”.
ختاماً، إن اعتراف حماس بالخطأ التي ارتكتبته من خلال قطع العلاقات مع الدولة السورية جاء بسبب شعورها بضيق المساحة الجغرافية التي تعيش بها وفي ظل التطبيع الحاصل من العديد من دول العالم العربي ولم يكن مفاجئاً قبول الطرف السوري بعودة العلاقات لأنه لطالما أكد على ضرورة وحدة الصف في مواجهة العدو .