جبلٌ من الجولان: شكيب أبو جبل

جبلٌ من الجولان: شكيب أبو جبل

ولد المناضل البطل شكيب يوسف أبو جبل في قرية الرامة في الجليل الأعلى في فلسطين، أصله من مجدل شمس من محافظة القنيطرة السورية، والدته ندى بدور من بكفيا قضاء راشيا الوادي في لبنان.
أعطاه أهله هذا الاسم تيمنًا بالمجاهد البطل شكيب وهاب أحد مجاهدي الثورة العربية الكبرى عام 1916 والثورة السوريه عام 1925.
كان متفوقًا في مدرسته في مادتي الجغرافيا والرسم
وعندما زار المستشار الفرنسي في القنيطرة مدرسته في تلك المرحلة، أوصى الأستاذ رشاد الدقاق المناضل شكيب أن يقف عند قدوم المستشار ويحيّي العلم السوري وينشد: “عش هكذا في علو أيها العلم
فإننا بك بعد الله نعتصم”
فغضب المستشار الفرنسي وشتم شكيب بالفرنسية.
انعكس تفوقّه في مادة الجغرافيا لاحقًا على نشاطه وعمله، فقد عرف تضاريس الجولان وفلسطين والحدود اللبنانية والمصرية وعبر الحدود عشرات المرات عندما عمل في قسم الاستطلاع للجيش السوري.
عمل شكيب أبو جبل خلف خطوط العدو في فرع مخابرات الجبهة منذ العام 1953 حتى تاريخ الانفصال بين سوريا ومصر في 1961 حين تم تسريحه. ولكن تم استدعاؤه مرة أخرى في عام 1964 إلى نفس الفرع، وعندما قامت حرب حزيران 1967 كان يشرف في جبل الشيخ على كل القطاع الشمالي، كما عمل في منطقة الكاظميه في العراق.
ويذكر شكيب ابو جبل في كتابه
“مذكرات أسير عربي في سجون الاحتلال الصهيوني”
أنّه رغم أن اليهود دخلوا مدينة القنيطرة دون أن تُطلق طلقة واحده عليهم إلا أنّ هناك بطولات قامت بها القوات السورية في تل الفخار وتل العزيزيات قرب بانياس والتل الواقع شرقي جسر بنات يعقوب وبطولات فردية اخرى.
وفي هذه المواقع، تكبّد جيش الاحتلال عشرات القتلى، حيث قاتلت القوات السورية ببسالة عظيمة حتى آخر طلقة وآخر قطرة دم، واشتبكت مع العدو بالسلاح الأبيض، واعترف العدو بخسائره في تلك المواقع.
في شهر شباط عام 1969عاد شكيب أو جبل إلى الجولان المحتل بالترتيب وموافقة المخابرات السورية وقام بتسيلم نفسه الى الحاكم العسكري اليهودي وتحمّل فترةً من السجن والتحقيق في سبيل خدمة سوريا وكان مهيأ لذلك نفسيًا وأمنيًا، حتى أن المحققين عرضوه على معالج نفسي وأجروا له اختبار كشف الكذب وعندما اعتقل لاحقًا سألوه: “ليش ما خربطت على آلة الحقيقة؟” فأجابهم: “هذه آلة للأولاد”.
في عمله الأمني والنضالي كان يقوم شكيب أبو جبل بتوزيع الأدوار والمهمّات بنفسه على أعضاء شبكة المجندين، فاختار ثلاثة منهم للعمل في مرصد جبل الشيخ طوال ثلاث سنوات وأرسل أربعة مجندين للعمل في خط بارليف في قناة السويس وثلاثة عملوا كسائقين لنقل العمال الذين عملوا في تحصينات العدو العسكرية وبناء المستوطنات على الجبهة السورية وآخرون في مهمات مختلفه، كما عمل اثنان في جمع الصحف الصادرة باللغتين العربية والعبرية في الأراضي المحتلة وكان يتم إرسالها إلى الشام يوميًا.
وذات مرة تم اخذ كاميرا تصوير من داخل سيارة للموساد كانت تقف في مجدل شمس بعد كسر زجاجها وارسلها شكيب الى سوريا ضمن البريد لاهدائها للمناضلة ليلى خالد.

عمل مجموعة الاستطلاع بقيادة شكيب ابو جبل لم يقتصر على منطقة محددة انما شمل فلسطين بكاملها من المنطقة المحتلة عام 48 إلى الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء والجولان والحدود اللبنانية وكان يقوم بما يطلب منه شخصيًا من مهمات وخاصة استطلاع المطارات والمواقع العسكريّة.
وفي ليلة 27/28 كانون الثاني من عام 1973 توجّه عزت شكيب ابو جبل وهو ابن المناضل شكيب ابو جبل حاملًا معه بريدًا يضم 64 تقريرًا عن قوات الاحتلال وستّة مخطّطات ومصوّرات واحدى عشرة صحيفة وانطلق من البيت في الساعة التاسعة مساءً وكانت الأمطار تهطل بغزارة، وتوجه الى فرع المخابرات السورية في الجبهة، وعلى مقربة من نهر المغيسل أطلق عليه النار كمين لجيش الاحتلال أرداه شهيدًا، واعتقل والده شكيب بعد ساعتين، وعثروا في البريد على الكثير من الأسماء لتبدأ موجة اعتقالات في مجدل شمس أدّت إلى اعتقال افراد المجموعة.
بعدها تم تقديم أبو جبل للمحاكمه العسكرية التي كانت مؤلفة من ثلاثة حكام عسكريين برئاسة العميد هامفري وهو يهودي من أصل ألماني، والذي نطق بالحكم مبتدئًا بعبارة: “ستخرج من السجن الى القبر” وكان مجموع الأحكام 315 عامًا مما يعني بقاء أبو جبل 30 عامًا في السجن.
وهو في المعتقل أرسل رسالة الى زوجته، قال فيها:
“رغم السجن الرهيب والأسوار العالية والأسلاك الشائكة والسجن والسجان فإن عبير زهر البرتقال الفلسطيني يدخل علينا واليوم دخلت علينا عصفورة فرّي فقمنا بإكرامها ومعالجة جناحها المصاب ثم أطلقناها وحمّلناها السلام لكِ ولأولادي وللأرض الطيّبة”.

قضى أبو جبل 12عامًا في سجون الاحتلال وبعدها تم الافراج عنه في 28حزيران 1984 بعد عملية تبادل للأسرى بين الشام والاحتلال.
وكان يقول أيضًا: “لو حكم عليّ العدو أربع سنوات أخرى لاعتبرته قدّم لي خدمةً غير مقصودة، أنا في السجن تغلّبت على كل العفن الموجود في نفسي وقرأت أكتر من 184 كتابًا والأهم من هذا أنّي خرجت من السجن أكره الظلم وأعشق الحريّة”.

عانى المناضل أبو جبل من المرض إثر كسر في العمود الفقري تعرّض له في عام 1976 في سجن الرملة بعد اشتباك الأسرى مع السجّانين فرماه السجان على الحديد بحقد وهو يقول له: أنت سوري ما دخلك بفلسطين؟”.

بعد خروج المناضل شكيب ابو جبل من السجن استقبله الرئيس حافظ الاسد وقلّده وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة وتقديرًا لتضحياته ونضاله تم تعيينه عضوًا في مجلس الشعب لمدة ثلاث دورات أي لمدة 12 عامًا.

رحل أبو جبل تاركًا سجلًّا خالدًا من التضحية والنضال حيث أمضى 48 عامًا مع أجهزة الأمن السورية وخلف خطوط العدو و12 عامًا في سجون الاحتلال و12 عامًا في مجلس الشعب السوري وأمضى ايامه الاخيرة بين بناته وأحفاده في جرمانا حيث توفي في يوم الجمعة 7/11/2008 ودفن في موقع عين التينة المقابل لبلدته مجدل شمس.

هذا هو المناضل الأسير السابق شكيب يوسف أبو جبل، جبل من النضال ومسيرة طويلة من النضال والشجاعة والعطاء والتضحية.

صباح الخير