مع دخول الحرب على قطاع غزة أسبوعها العاشر، ورغم همجية قصف العدو، وعشرات آلاف الشهداء والجرحى، وتدمير عشرات آلاف الوحدات السكنية، ما زالت المقاومة تمسك بزمام الأمور في الميدان، وما يحصل على الأرض يدل على أن هذه المقاومة أضحت نداً لجيش العدو، رغم الفرق الكبير في العديد والعتاد، لا بل تدل مسارات الحرب على أن النصر سيكون حليف المقاومة، فمجموعة من المسلحين غير النظاميين، والذين لا يتجاوز عددهم عشرات الآلاف، والمحاصرين، ولا يملكون سوى القليل من الأسلحة المتقدمة، أضحوا بمثابة الند لواحد من أقوى الجيوش في العالم.
في مقال للكاتبين “الإسرائيليين” طوني كارسون ودانييل ليفي، في موقع “The Nation”، أكّدا أن حركة حماس في طور تحقيق العديد من أهدافها السياسية، وأنّ كلا من “إسرائيل” وحركة حماس، تعيدان ضبط شروط تنافسهما السياسي، ليس على الوضع الراهن الذي كان قائماً قبل تاريخ السابع من تشرين الأول، بل على الوضع الذي كان قائماً في عام 1948، ولن تكون هناك عودة إلى الوضع السابق، ويتابع الكاتبان أنّ الهجوم المفاجئ أدى إلى تحييد المنشآت العسكرية الإسرائيلية، وكسر بوابات أكبر سجن مفتوح في العالم، وتسبب في هياج مروع قتل فيه نحو 1200 “إسرائيلي”، 845 منهم على الأقل من المدنيين، وأضاف المقال إن السهولة الصادمة التي اخترقت بها حماس الخطوط “الإسرائيلية” حول قطاع غزة ذكّرت الكثيرين بهجوم تيت (في فيتنام) عام 1968، حيث خسر الثوار الفيتناميون المعركة وقدموا التضحيات بالكثير من البنية التحتية السياسية والعسكرية السريّة، التي بنوها بتأنٍّ على مدار سنوات، ومع ذلك، كان هجوم تيت يعتبر لحظة أساسية وفارقة في هزيمتهم للولايات المتحدة الأميركية، حتى وإن كان عبر تكلفة باهظة في أرواح الفيتناميين.
ويضيف المقال أنّ الإخفاقات الاستخباراتية “الإسرائيلية” التي تمثلت في فشل العدو بتوقع عملية طوفان الأقصى، هي فشل سياسي أيضاً في فهم عواقب أسلوب القمع العنيف، الذي وصفته منظمات حقوق الإنسان الدولية بالفصل العنصري، وقال إن حركة حماس، أعادت السياسة إلى جدول الأعمال، بينما تتمتع “إسرائيل” بقوة عسكرية كبيرة، ولكنها ضعيفة سياسياً.
عدد كبير من المسؤولين الأميركيين، يقولون إن العنف النابع من مجتمع مضطهد يمكن القضاء عليه من خلال استخدام القوة العسكرية الساحقة ضد هذا المجتمع، بينما يحذّر وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، من أن الهجمات “الإسرائيلية” التي تقتل الآلاف من المدنيين تخاطر بدفعهم إلى أحضان “العدو” (حركة حماس)، واستبدال النصر التكتيكي بهزيمة استراتيجية، وأكد أن الساسة ووسائل الإعلام الغربية يحبون أن يتخيلوا أن حماس عبارة عن إطار عدمي على غرار داعش، يحتجز المجتمع الفلسطيني كرهينة، بينما حركة حماس، هي حركة سياسية متعددة الأوجه متجذرة في نسيج المجتمع الفلسطيني وتطلعاته الوطنية، وتجسد اعتقاداً أكدته عقود من الخبرة الفلسطينية، بأن المقاومة المسلحة تشكل عنصراً أساسياً في مشروع التحرير الفلسطيني بسبب فشل عملية أوسلو والعداء المستعصي من جانب خصمها.
من هنا نجد أنّ “إسرائيل” معرضة لاحتمال كبير بالخسارة أمام حركة حماس، التي تسعى إلى دفع العدو لاستخدام قوته لتهزمه بها، فهذه القوة تسمح له بقتل المدنيين الفلسطينيين، وتدمير البنية التحتية الفلسطينية، وتحدي الدعوات العالمية لضبط النفس، وهذه الأمور تعزز أهداف حركة حماس الحربية.
لقد استطاعت المقاومة في فلسطين أن تعيد المسألة الفلسطينية إلى جداول أعمال زعماء العالم، وبمجرد استطاعتها بالاستمرار بالقتال، أصبحت هيي النتصرة في هذه الحرب، فرغم مرور أكثر من شهرين على بدء الحرب، لم يستطع العدو تدمير حركة حماس، أو على الأقل قتل كبار قادتها، أو إطلاق سراح الأسرى المتبقين في القطاع، وساهم ارتفاع سقف أهداف العدو بإعطاء حركة حماس ميزة إ ضافية، وستظل “إسرائيل” عالقة في هذه الحرب التي لا يمكن الفوز فيها، والتي ستتسبب بموت ودمار هائلين.