القرار 1701 – استلحاق لنصر للعدو لن يأتي

فيما تستمر حرب الإبادة الإسرائيلية – الأميركية والأطلسية على غزة منذ السابع من تشرين الأول الماضي مستهدفة أطفال فلسطين دون أن تتمكن من تحقيق أي هدف من الأهداف التي وضعتها رداً على عملية طوفان الأقصى، التي جاءت رداً على تنكيل واحتلال دام إلى اليوم خمسة وسبعين عاماً وأسر رجال ونساء وأطفال بالآلاف، مما دفع لأسر يهود لمبادلتهم بقصد إفراغ السجون. فإذا بجنون قادتها المهزومين يدفعهم إلى عملية قتل لا هوادة فيها، فغرقت في وحل مدن القطاع من شماله الى جنوبه يدمر ويقتل ويبيد دون رادع قانوني أو إنساني.

لا بل إنها تخضع القرارات الدولية الرادعة إلى حق النقض من قبل داعمتها الولايات المتحدة الأميركية مما يعطل كل وقف لهذه الحرب / المحرقة.

 من الأكيد أن التحركات الشعبية التي حصلت في عواصم الغرب اعتراضاً على الجرائم المرتكبة، ساعدت في تبدل الرأي العام العالمي الداعم لدولة الاحتلال بعد سرديته المزورة للوقائع، لكن قرارات الدول الأطلسية الغربية لا زالت مرتهنة لإرادة تل ابيب ودور اللوبي الصهيوني الإعلامي والمالي الذي يحكم المواقف السياسية لهذه الدول.

وهكذا تسعى حكومة الاحتلال إلى محاولة لجني المكاسب للتخفيف من وطأة الإخفاقات المستمرة الى الآن. وهكذا سعى نتنياهو في التفاتته إلى شمال الكيان، حيث تؤدي المقاومة من جنوب لبنان دوراً مسانداً لغزة بعدما استطاعت مشاغلة ثلث تعداد جيش العدو وتدمير كل بنيته العسكرية في ثكناته الشمالية ومراكز المراقبة. وأدى ذلك الى تهجير 150 ألف مستوطن يهودي من الجليل إلى داخل الكيان وما ادى إليه ذلك من تداعيات اجتماعية واقتصادية على عمق 20 كلم ورفضهم العودة قبل انتهاء وجود المقاومة على الحدود.

من هنا جاءت المسارعة إلى المطالبة بتنفيذ القرار 1701 الذي وضعته الأمم المتحدة عام 2006 بقصد إيقاف حرب تموز التي استمرت ثلاثة وثلاثين عاماً وهزمت فيها دولة الاحتلال التي منعت من التقدم نحو عمق الأراضي اللبنانية، ودمرت خلالها معايير القوة التي طالما تغنت بها من الميركافا إلى سواها مما اصطلح على تسمية كيانها أنه أوهن من بيت العنكبوت. وكان القرار أنذاك محاولة دولية لرد اعتبار العدو وايذاناً بانتهاء فشله في تلك الحرب.

يومها تحفظت المقاومة على القرار واعتبرته “غير متوازن ولا منصفاً ولا عادلاً ولا موضوعياً” على طاولة مجلس الوزراء، ورأت أنه يبرئ المجرم بدل أن يدينه لا سيما بعد التدمير الذي ارتكبه.

لقد وصفت المقاومة القرار بأنه يؤدي إلى مصادرة حق لبنان بالمطالبة بتعويضات أو أية إمكانية لملاحقتها، علماً ان القرار لم ينص أنذاك على إي إشارة تتعلق بالانسحاب من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.

اليوم من خلال طرح هذا القرار للتنفيذ مجدداً تحاول دولة الكيان الغاصب الدفع بالتهويل والتهديد الداخلي من أطراف مرتهنة للإرادة الغربية وكذلك الأطراف الخارجية من هذه الدول، محاولة الانتصار بالسياسة على المقاومة وهذا ما تعتبره غير مكلف بها.

إذاً المطروح الآن هو انسحاب المقاومة وهم أهل الجنوب مما يعرف بالخط الأزرق إلى حدود مجرى الليطاني وتسليم السلاح ومنع أي سلاح ثقيل غير للجيش اللبناني وقوات اليونيفيل، وعدم التنفيذ سيؤدي إلى إقرار البند السابع أي تنفيذه بالقوة وأيضاً فرض عقوبات على لبنان.

هذا التهويل يستدعي بنا طرح تجربة لبنان مع القوانين الدولية المتعلقة بالصراع مع دولة الاحتلال ويبلغ عدد القرارات هذه نحو خمسة وستين قراراً. كان أبرزها القرار 425 المتعلق بانسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان عام 1978، والذي رغم كل المساعي الدولية والنشاط الديبلوماسي الذي بذل لم يتمكن لبنان من تنفيذه إلا بتحرير لبنان بالمقاومة عام 2000 م. هذا علماً أن دولة الاحتلال فرضت باحتلالها أنذاك اقتطاع جيب من لبنان سمي أنذاك الشريط الحدودي واستمر 22 عاماً تسلمه معها أياد داخلية بعضهم ممن يطالب اليوم بتنفيذ القرار 1701.

وكانت قوات الاحتلال قد جربت كل أدوات الضغط والتهديد والاعتقال والقتل وإعاقة الانتقال من والى الجنوب دون ان تفلح في كسر شوكة اهل الجنوب. فكان انتصار أيار والتحرير بالمقاومة وكانت استعدادات للقادة المقاومين للانتقال إلى مرحلة اخرى من استعادة ما تبقى من الأرض المحتلة في شبعا وكفرشوبا وفي إرساء قواعد اشتباك تردع العدو عن أية محاولات للعودة جنوباً.

لا بد من الإشارة أن توقيت العودة إلى المطالبة بتنفيذ هذا القرار يأتي في وقت تعيد فيه أميركا تعزيز مطامع دولة الاحتلال، من خلال موافقتها منذ سنوات على جعل القدس عاصمة الكيان ونقل سفارات كل من الدول التي تهيمن على قرارها واشنطن إلى القدس.

 دون أن نغفل القرار الأخير من الإدارة الاميركية الذي أجاز لدولة الاحتلال اعتبار الجولان أرضاً إسرائيلية، غافلة عن حق أهله بإبقاء مصادر رزقهم ومواردهم ملكاً لهم وأن ارضهم محتلة، علماً أن هناك قراراً أممياً رقم 338 يقضي بالانسحاب من الجولان السوري ولكنها لم تنفذه.

إن إعادة مطالبة دولة الاحتلال وداعميه بتنفيذ القرار 1701 هو بمثابة اعلان حرب جديدة على جنوب لبنان، لاسيما وأن دولة العدو لم تلتزم مرة بالقوانين الدولية، ولم توقف مساعيها الاستيطانية على أرض فلسطين وكيانات الأمة، حتى لدى توقيع تل أبيب اتفاقات الاستسلام من كامب ديفيد إلى وادي عربة مع مصر والأردن. وسعت إلى الالتفاف على الاتفاقات من خلال استئجار الأراضي في غور الأردن وفلسطين لمدة 90 عاماً، ما مكنها ذلك من الاستيلاء على أكثر الأراضي الأردن والضفة الغربية خصوبة في الزراعة فأقام مستوطناته الزراعية، وابتلع سكانياً القرى الأردنية – الفلسطينية بعدما هجر سكانها واستوطن يهوده المكان.

توقيت المطالبة بالتطبيق للقرار الأممي اليوم 1701، يشبه زمان إصداره والمطالبة بتنفيذه بإصرار أنذاك على يد رئيس حكومة لبنان فؤاد السنيورة الذي تشدد حتى على منع إبقاء “عويسة سكين “على أرض شمالي الليطاني غافلاً ضرورة وقف إطلاق النار قبل تسليم السلاح، كما يجري اليوم في استمرار عملية الإبادة الجارية بحق الفلسطينيين وتحت أنظار العالم، بينما تصر أميركا وربيبتها على تنفيذ القرار الاممي.

إنها ازدواجية المعايير بأبلغ تجلياتها، إعادة الجليل أمر إنساني وضروري لعودة المستوطنين، أما  تهجير اهل غزة وإبادتهم فهو أمر لا يزال مجال بحث وتداول !!!

إن المقاومة اليوم على أرضها وقد شكلت نموذجاً متميزاً يرهب العدو ويردعه، وما تزال هي أداة الحماية الوحيدة لأهل الجنوب ولكل لبنان. لأنه ثبت بالتجربة أن لا شيء يردع مطامع هذا الكيان بمنطقتنا إلا القوة. لا قوانين الأمم التي لا تطبقها وكذلك استنادها إلى فيتو “غب الطلب” حاضر دوماً من واشنطن لمساندة اعتداءاتها وإيجاد التبريرات لها.

إن معادلة المقاومة والشعب مع الجيش هي وحدها الرادع وقد أكدت ذلك توجهات الحكومات المتلاحقة في بياناتها الوزارية.

إن إرادة هذا الشعب بالدفاع عن نفسه بقوته لن ينزعها منه أحد بعدما ثبت يقيناً أن لا شيء يخيف هذا العدو إلا القوة، لأن سياق الردع الوحيد له هو الحديد والنار وأن القوة هي وحدها القول الفصل.