قد يكون من السابق لأوانه إبداء رأي شامل وواضح في تقييم مجريات وتداعيات ونتائج عملية “طوفان الأقصى”. لكن إعلان تفاصيل “اتفاق التهدئة” (الهدنة الإنسانية) لمدة أربعة أيام يتيح لنا مهلة لالتقاط الأنفاس، والتروي في تناول مجموعة من التساؤلات التي تجول في أذهان الكثيرين، ولم يكن بالإمكان بحثها والتعامل معها في خضم حرب الإبادة التي تشنها الدولة الصهيونية.
إن قراراً مركباً ومعقداً بحجم فتح معركة على مستوى “طوفان الأقصى” يعني أن القيادات السياسية والعسكرية والميدانية حددّت منذ البداية أهدافها الآنية والمتوسطة المدى، وتداولت في طبيعة العملية، واستعرضت كل الاحتمالات، وأخذت في الاعتبار مواقف الحلفاء، وأعدت العدة لمواجهة الرد المتوقع من معسكر الأعداء. وأخيراً تضع أمام الجميع موازين الربح والخسارة… وتتخذ القرار!
معركة غزّة أكدت ما كنا نعرفه دائماً: شعبنا قادر على العطاء من دون حدود، ومستعد لكل التضحيات. وفي المقابل، هناك آلة الدمار الصهيونية المدعومة أوروبياً وأميركياً. وعلى مدى أكثر من أربعين يوماً كانت المواجهة غير متكافئة بين الجانبين. ولعل الضغط الشعبي العالمي، وفداحة جرائم الإبادة، إلى جانب صمود السكان ورفضهم دعوات الترحيل، وقدرة المقاتلين على إلحاق خسائر مؤلمة في صفوف العدو… هذه العوامل مجتمعة هي التي مهّدت الطريق إلى إعلان “إتفاق التهدئة”.
إن مقياس التقييم الذي سيأتي لاحقاً لا يمكن تحديده إلا بالإنجازات، أي بالنتائج التي لأجلها انطلقت عملية “طوفان الأقصى”. لقد كانت الهدنة الإنسانية أكثر من ضرورية لشعبنا في غزّة، وجاءت في وقتها… بل ومتأخرة للغاية. وعلى الرغم من أهمية اتفاق التهدئة هذا، فهو لا يعدو كونه إجراء آنياً لا يحسم شيئاً. ولأن المعركة لمّا تنتهِ بعد، فمن الخطأ إطلاق تعميمات وأحكام مستعجلة. ومع ذلك، تطالعنا صورة كارثية: 13 ألف شهيد على الأقل، دمار شامل في البنية الحياتية في غزّة، شهداء ومجابهات في الجبهة الشمالية مع جنوب لبنان…
ثمة تساؤلات تخفق في الأذهان، تنتظر اللحظات المناسبة للخروج بأجوبة بعضها مؤلم… عندما يتوقف شلال الدم.
22 تشرين الثاني 2023