من هم البرابرة

من هم البرابرة

من تداعيات ملحمة غزة، والهمجية الصهيونية التي أعقبتها ضد الأطفال والنساء والمدنيين، سقوط الأقنعة الديموقراطية المزيفة وانكشاف الغرب الرأسمالي وخطابه كحقبة وثقافة همجية، فتاريخ هذا الغرب عبر قرون وحتى اليوم هو تاريخ من العنصرية المتوحشة وفلسفاتها:

المالثوسية والداروينية والنازية ومدرسة شيكاجو الأمريكية والحروب الداخلية كما الحملات الاستعمارية لهذا الغرب، وهو ما يدحض الخطاب المزيف الذي أنتجته الرأسمالية تحت عنوان غرب متحضر وشرق وجنوب متخلف ودون ذلك تاريخ:

هكذا، إضافةً إلى الإطار الفكري العام الذي يجمعهم، ممثلاً بفلسفة الرأسمالية الليبرالية المتوحشة والمالثوسية العنصرية، القديمة والجديدة، فإن تاريخ الإدارات الرأسمالية، الأميركية والأوروبية، ملطَّخ بالجرائم والدم على مدار القرون الأخيرة، وفي أربع جهات الأرض، من بينها أوروبا نفسها، التي كانت مسرحاً لحربين عالميتين مات فيهما عشرات الملايين، وأميركا أيضاً خلال الحرب الأهلية وما خلفته من ملايين القتلى والجرحى.

الإمبريالية الأميركية وانتهاك حقوق الإنسان

إضافةً إلى رفض الحزبين الكبيرين التوقيع على معظم الاتفاقيات الخاصّة بحقوق الإنسان، وأسلحة الدمار الشامل، واتفاقيات الصواريخ وقمم الأرض (كيوتو وجوهانسبرغ) والسجون السرية والتعذيب، واستخدام الإجراءات العنيفة بحق المتظاهرين، مثل الكلاب ورذاذ الفلفل والصعق الكهربائي، وغيرها مما ورد في تقارير منظَّمة العفو الدولية، فلو أخذنا التاريخ الأميركي، بإدارتيه الجمهورية والديمقراطية، لوجدناه تاريخاً ممتداً ومتواصلاً في جرائمه منذ القرن التاسع عشر وحتى اليوم:

غزو المكسيك

إبادة عشرات البلدات والقرى، وسرقة كاليفورنيا ونيفادا وتكساس وأريزونا، وإلحاقها بالولايات المتحدة الأميركية.

غزو أميركا الجنوبية والوسطى وارتكاب جرائم ومجازر مروعة فيها

كولومبيا 1901، وبنما 1902 و1958 و1989 و1990، وهندوراس 1908 و1911 و1983 و2006، ونيكاراغوا 1907 و1981، والدومينكان 1907 و1946 و1965، وبورتريكو 1950، وكوبا 1952 والغزو الفاشل بعد الثورة، وغواتيمالا 1954 و1965 و1975 و1981 و1985، وتسبّبها بمقتل نصف مليون شخص، والسلفادور 1932 و1981، وغرينادا 1983، وتشيلي 1973 ضد الرئيس اليساري المنتخب الليندي (ربع مليون قتيل ومعتقل).

ومن أشهر السفراء الأميركيين الذين أداروا هذه الجرائم، نذكر نيغروبونتي (ساهم في غزو العراق وتدميره، ودعم المؤامرة على سوريا).

الجرائم الأميركية في آسيا غير العربية

– ضرب المدينتين اليابانيتين هيروشيما وناغازاكي بالقنابل النووية خلال الحرب العالمية الثانية.

– الجرائم الأميركية خلال الحرب الكورية في العام 1950.

– الجرائم الأميركية في فيتنام والهند الصينية 1962 – 1975، واستخدام الأسلحة الكيماوية والسائل البرتقالي ضد الفلاحين.

– الجرائم الأميركية ضد الشعب الإيراني في العام 1953، وإسقاط حكومة مصدق الوطنية في العام 1988، بإسقاط طائرة مدنية ومقتل كل ركابها.

– الجرائم الأميركية في أفغانستان.

– إشراف المخابرات الأميركية على جرائم سوهارتو وميليشيات الإسلام الأميركي الإرهابية في إندونيسيا ضد الفلاحين والعمال والطلاب والوطنيين واليسار (مليون ضحية على الأقل).

جرائم أميركية أخرى

– دعم الرجعية في اليونان في العام 1949، ما تسبّب بمقتل 150 ألف شخص.

– ارتكاب الجرائم في أفريقيا، وخصوصاً الكونغو ورواندا وبوروندي، واغتيال العديد من الزعماء الوطنيين في القارة، ودعم نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

الجرائم والمجازر الأميركية بحقّ العرب

– دعم الكيان الصهيوني سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، والتغطية على جرائمه ومجازره ضد الشعبين العربيين الفلسطيني واللبناني، والعرب عموماً.

– دعم الرجعيّة العربية وجرائمها وفسادها ونهبها موارد الأمة وانتهاكها أبسط الحريات.

– العدوان على العراق، والتسبّب بقتل ملايين المدنيين وإصابتهم وتشريدهم. وما تزال ذاكرة مجزرة أطفال العامرية في الأذهان.

– الجرائم المرتكبة بحقّ الشعب اليمني وقصف المدارس والمستشفيات.

– اختلاق ودعم العصابات الإرهابية التكفيرية وجرائمها في سوريا والعراق وليبيا.

مجازر الإمبرياليات الأخرى وجرائمها

– بريطانيا: أدارت أكبر حرب إبادة ضد الهنود الحمر من خلال بطانيات الجدري وغيرها، وأغرقت الصين في القرن التاسع عشر في ما عُرف بـ”حرب الأفيون”، وأقامت أقذر كيان عنصري في جنوب أفريقيا، إضافة إلى جرائمها في الهند ومصر (مجزرة دنشواي). كما أنها أقامت الكيان الصهيوني ودعمته منذ وعد “بلفور” وحتى يومنا هذا.

– فرنسا: نفّذت مجازر في فيتنام والجزائر وسوريا وأفريقيا، ومن ذلك تجاربها النووية في الصحراء الجزائرية، وبناء المفاعل النووي الصهيوني، وتنفيذ عشرات الاغتيالات السياسية، مثل اغتيال المهدي بن بركة.

المجازر الصهيونية بحق الفلسطينيين والعرب

إضافة إلى الوجود الصهيوني بوصفه جريمة بحد ذاته، واغتصاب الأرض العربية في فلسطين، وتشريد شعبها، والاعتداءات الصهيونية على مصر وسوريا ولبنان والأردن، وإضافة إلى المجازر الصهيونية في القدس وحيفا ويافا واللد والرملة وطبريا وطول كرم وغيرها، فمن أبشع وأقذر المجازر الصهيونية الأخرى، نذكر الطنطورة، دير ياسين، قبية 1953، كفر قاسم، قلقيلية، خانيونس 1965، الحرم الإبراهيمي، المسجد الأقصى، غزة، مخيم جنين، صبرا وشاتيلا 1982، مدرسة بحر البقر المصرية، كفر أسد في الأردن 1968، قانا، وغيرها من المجازر التي نفذها العدو الصهيوني في لبنان وسوريا.

من هم قاطعو الرؤوس

1.   الإنكليز: وقبل التوقف عند هنري الثامن الأكثر شهرة بينهم، فإن سلفه هنري السابع بدأ حكمه بالتخلص من ولي عهده وقطع رأسه، امتداداً إلى قطع الرؤوس المتبادل بين عائلتين يسري في عروقهما الدم الملكي، هما: يورك ولانكستر. بالعودة إلى هنري الثامن فقد أطاحت بلطاته رؤوس العشرات ممن حوله، بينهم اثنتان من زوجاته بالتتالي، الملكة آن بولين والملكة كاترين هوارد، في القرن السادس عشر، إضافة إلى كثيرين من رؤساء وأعضاء البرلمان والأساقفة الكاثوليك والنبلاء والكتاب والأقربين إلى العرش والمنافسة عليه. وقد توارث هذا التقليد في التاج البريطاني، الملكة ماري والملكة إليزابيث التي أمرت بقطع رأس ملكة إسكتلندا في القرن السادس عشر، وقد اختارت الملكة إليزابيث الثانية الراحلة اسم سلفتها المذكورة تيمناً بإنجازاتها وسيرتها.

والحق أن “رجال الثورة” البريطانية التي سبقت الثورة الفرنسية” لم يكونوا أقل اهتماماً بالبلطات وقطع الرؤوس، وباسم الرب، نفّذ قائد الثورة كروميل وثوار البرلمان الجديد حملة واسعة من قطع الرؤوس بدءاً برأس الملك شارلز الأول في منتصف القرن السابع عشر، قبل أن تخسر الثورة تلك الجولة ويتدحرج رأس كروميل نفسه على يد شارلز الثاني. وكما كانت حال الملكة الراحلة أخيراً إليزابيث اختار الملك الجديد لبريطانيا اسم شارلز (الثالث)، ولا ندري إن كان يقصد شارلز الأول أم الثاني.

وبالتأكيد إذا كانت الرؤوس المتدحرجة قد وصلت إلى التاج نفسه في بريطانيا، فهناك آلاف بل عشرات الآلاف من قادة الثورات التي اندلعت ضد الاستعمار البريطاني في أربع جهات الأرض، التي قام بها الهنود الحمر والأفارقة والآسيويون… والقائمة طويلة جداً جداً، إشارة إلى الحضارة الأنجلو-سكسونية ورسالتها التحديثية لأهل الغابات.

2.  أما الجناح الأميركي من الإمبريالية الأنجلو-سكسونية فقد التصق اسمه بجزار أبقار كان يمد الجيش الأميركي باللحوم هو “الأنكل سام” الذي استوحى شكله المخرج الأميركي سكورسيزي في فيلمه “عصابات نيويورك” الذي يؤرخ عبر البلطات لمرحلة مهمة من التاريخ الأميركي الحديث، وهي مرحلة المافيات والصراع على المصارف وتجارة الأسلحة والويسكي التي تحولت لاحقاً إلى الاقتصاد الأميركي الذي نعرفه.

ومن المؤكد أن سكورسيزي اعتمد أيضاً على خلفية الثقافة الأميركية المبكرة التي رافقت الغزو الأبيض الوحشي لقبائل الغابات الشمالية من الهنود الحمر وكانت فروات رؤوس الهنود بعد سلخها وتجفيفها تعلق على مداخل المنازل. ولعل هذه الثقافة تحديداً، هي التي استدعت نيغروبونتي من جمعية الثقافة والجمجمة في جامعة ييل إلى قلم الاستخبارات في الخارجية الأميركية قبل إرساله إلى مواجهة ثورات العمال والفلاحين الفقراء ضد “جمهوريات الموز” العميلة في أميركا الوسطى وتحديداً بعد نجاح ثورة نيكاراغوا والخشية من تمددها إلى هندوراس والسلفادور، حيث أقام نيغروبونتي وأدار من هناك خليطاً من الثورات الملونة الليبرالية وفرق الموت الإجرامية (على غرار جبهة النصرة وداعش)، وذلك قبل أن يرسل إلى سوريا والعراق للتنسيق مع الدواعش والليبراليين معاً، ومما عرف عن الدبلوماسي المذكور اهتمامه بتدريب العملاء والمجرمين على القتل بالبلطات، وإثارة رعب الفلاحين عبر هذه الأساليب.

ثانياً: فرنسا، أيضاً بحسب كتاب جورج قرم (المسألة الدينية في القرن الواحد والعشرين) فقد عاشت فرنسا سلسلة من المذابح وقطع الرؤوس طوال القرون التي سبقت الثورة البرجوازية في القرن الثامن عشر. وبعد عقود من اختراع المقصلة وقطع الرؤوس في عهد ملوك فرنسا، فقد عاشت المقصلة عصرها الذهبي بعد الثورة البرجوازية وأول إعلان عالمي لحقوق الإنسان. وكانت البداية مع الملك لويس السادس عشر وزوجته ملكة البسكويت ماري أنطوانيت حين اقتادهما الثوار إلى ساحة المقصلة وقطع رأساهما، ولم يتوقع الفرنسيون أن حفلات قطع الرؤوس ستطال قادة الثورة الواحد تلو الآخر، وبينهم دانتون ودوربسبير.

وكغيرها من بلدان الاستعمار الأوروبي والأميركي المتوحش فقد واصلت فرنسا حروب الإبادة والمفاصل في كل مستعمراتها، وبخاصة الأفريقية والآسيوية.

ثالثاً: من تاريخ “الحدائق الحضارية” الأخرى في مقابل “الغابات”، تاريخ دول إسكندنافيا والبلطيق الأكثر حساسية لحقوق الإنسان التي تنحدر غالبيتها من الفايكنغ الغربيين والشرقيين (أسلاف الأوكرانيين).

وإذا كان الأنجلو-سكسون يكتفون بسلخ فروات رؤوس الهنود لغايات الرعب ودفع الهنود إلى أعماق الغابات، فثمة من يؤكد أن الفايكنغ (أسلاف السويد والدنمارك والنرويج) كانوا يخلطون فروات رؤوس خصومهم بفروات الحيوانات.

رابعاً: ومن باب الإنصاف البحثي، فإن أهل “الغابات” لم يكونوا ملائكة أيضاً، فمن لا يعرف عن الرؤوس المقطوعة المرسلة إلى خلفاء وملوك بني أمية والعباسيين والأتراك، ومنها رأس الحسين الذي أرسله القاتل عبيد الله بن زياد إلى سيده يزيد، ورأس زيد بن علي بن الحسين، ورأس مصعب المرسل إلى عبد الملك بن مروان، وقبلهم رأس يوحنا المعمدان الذي وضعته سالومي على طبق من ذهب ورقصت به أمام هيرودوس.

وبعدهم وفي أيامنا هذه لعبة قطع الرؤوس التي تمارسها “داعش” وأخواتها من الجماعات التكفيرية التي ولدت بأفكار نيغروبونتي رجل الاستخبارات الأميركية صاحب تجربة البلطات في أميركا اللاتينية.

ولا بأس في التذكير أيضاً بعدد آخر من الرؤوس، التي قطعت وأرسلت إلى وكلاء الإمبرياليين في الشرق الأوسط، ومنها رأس المناضل المغربي، المهدي بن بركة الذي اختطف وقتل في باريس وقطع رأسه على يد فريق من الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية والتونسية، وأوفقير وزير داخلية المغرب حينذاك، ومثله ابن شبه الجزيرة العربية ناصر السعيد.

أخيراً، ومن باب التنويع في ثقافة “الحديقة الأوروبية الأميركية” في مقابل “غابات العالم”، نذكر أنّه في مقابل بوابات زويلة ونيسابور فقد كانت ساحات باريس وجسر لندن مكاناً لاستعراض الرؤوس المقطوعة.

وفي مقابل العشماوي المصري، عرفت أوروبا عائلات متخصصة بقطع الرؤوس من أشهرها، عائلة سانسون الفرنسية التي توارثت هذه “المهنة الديمقراطية” كما توراثت أوروبا وواشنطن وجمهوريات إسكندنافيا جينات القتل، وآخرها دعم النازية في أوكرانيا.