منذ بدء معركة طوفان الأقصى، التي نتابعها لحظة بلحظة، وقلوبنا تواكب السواعد التي تستعيد مجد الأمة، رأينا الكثير من التخاذل والتآمر على شعبنا في فلسطين من قِبل تلك الدول التي دعمت وتدعم العدو بكل ما أوتيت من قوة، فمنهم من منع التظاهرات المؤيدة لأبناء شعبنا في فلسطين، ومنهم من حظر وجود العلم الفلسطيني على أراضيه، حتى أن مجرد لفظ كلمة فلسطين قد تؤدي بك إلى السجن و التعذيب، ناهيك عن مواقع التواصل التي قد يؤدي منشور واحد تدعم فيه هذه القضية إلى حظر مؤقت أو حتى إلغاء حسابك من تلك المواقع بشكل كامل ، ولكن الشيء الذي لا بدّ من الوقوف عنده، ووضع إشارات كثيرة عليه، هو أن مجرد إرتدائك للكوفية الفلسطينة كفيل بأن يوصلك السجن بعدة تهم، أولها دعم الإرهاب، ومعاداة السامية، والتحريض ضد اليهود، وقد وصلت أحكام ارتدائها إلى السجن لخمس سنوات أو ربما أكثر في بعض البلدان، حتى أننا شاهدنا نائباً إسبانياً يُمنع من إلقاء كلمة في البرلمان الأوروبي بسبب لبسه للكوفية، وتعرض بعدها للتهديد والملاحقة.
ماذا تعني هذه الكوفية بخطوطها المتناسقة، وأطرافها المتناثرة ؟
كان أول من بدأ بلبس هذه الكوفية السومريون منذ ما يقارب ألفي عام قبل الميلاد، وكانت بدايةً تُلبس من قِبل الملوك والكهنة، وبعد ذلك بدأت بالإمتداد إلى عامة الشعب، وتوارثتها الحضارات والشعوب، الواحدة تلو الأخرى، وتمثل الكوفية بخطوطها المتناسقة، خطوط التجارة، وملتقى الثقافات عبر العصور، وشباك الصيد التي تغطي معظمها، وكانت تمثل مدى إرتباط البحارة بالبحر في تلك الأراضي، وأوراق الزيتون التي دلت على مدى ارتباط من يلبسها بأرضه وتجذره فيها، كأشجار الزيتون التي إمتدت جذورها في هذه الأرض وصار من الصعب إقتلاعها، ثم مع بداية الاحتلال، وقدوم العصابات اليهودية إلى أرض فلسطين، كان أفراد مجموعات الفدائيين يقومون بعمليات ضدهم، ويغطون وجوههم بها، حتى قام العدو بإعطاء الأوامر بإعتقال كل من يلبسها، عندها طلب الفدائيون والمجاهدون من جميع أفراد الشعب إرتداءها، كي يصعب على المحتلين معرفتهم، وهنالك روايات أخرى تتحدث عن معنى الكوفية ونشأتها، إلا أنها كلها تدل على مدى الإرتباط الوثيق، ليس بالأرض وواقعها فحسب، بل أيضاً بتاريخها وحضارتها، التي لطالما كانت ارادة هؤلاء المحتلين طمسها عن طريق طمس رموزها، لكن عبثاً كانوا يحاولون، فهذه الملاحم التي نشاهدها اليوم، هي الرسالة الأكبر التي يوجهها شعبنا على إمتداد وطننا السوري لهؤلاء، ومفاده بأن المقاومة ليست كوفية تمنعوها، ولا كلمة تسكتونها، ولا برجاً تدمرونه، أو مبنى تقصفونه، المقاومة ليست رجلاً كي تقتلوه، ولا نفقاً كي تهدموه، المقاومة هي عقيدة متجذرة، لا تُمحى من الذاكرة القومية، ولا من وجدان الأمة، ولن تموت ما دام هنالك شعب يأبى أن يتخذ من القبر مكاناً له تحت الشمس.