بتاريخ 30 أيلول / سبتمبر من عام 2022 أعلنت روسيا بشكل رسمي قبول انضمام اربع مناطق من أوكرانيا وافق سكانها بموجب استفتاءات شعبية على الإنضمام لروسيا .
ويبدو ان هذا التاريخ بات بمثابة العيد الوطني للاحتفاء بما تعتبره موسكو إعادة توحيد لهذه المناطق مع روسيا، لا سيما بعد توقيع الرئيس فلاديمير بوتين قانون ضم هذه المناطق، وقبولها رسمياً في الاتحاد الروسي .
وعلى الرغم من تواصل الأعمال القتالية، إلا أنَّ السلطاتِ الروسية بدأت، منذ أشهر، عملية إعادة الإعمار في هذه المناطق، حيث تنخرط في بناء المنازل والمدارس والمستشفيات ودور الثقافة والمنشآت الرياضية.
كما تعمل أيضاً على إصلاح الطرق والسكك الحديدية وإنشاء طرق جديدة تربط هذه المناطق بروسيا.
مع فرض روسيا سيطرتها على أجزاء واسعة من دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوروجيا، خسر الجانب الأوكراني ليس فقط مساحة من الأراضي بل والموارد والقدرات التي تملكها هذه المناطق، بداية من مناجم الطاقة، مروراً بالأراضي الزراعية، وانتهاءً بمحطة زابوروجيا للطاقة النووية وهي الأكبر في أوروبا.
على المستوى التاريخي من المهم التذكير ان هذه المناطق كانت جزءاً من روسيا التاريخية وهو ما يعكس ان غالبية سكان هذه المناطق يتكلمون اللغة الروسية التي حاول نظام كييف منعها في مرحلة من المراحل .
إضافة الى ذلك من المهم التذكير ايضاً بأن هذه المناطق كانت تشكل مصدر دعم أساسي للحكومة المركزية في أوكرانيا بسبب ناتج الموارد المتمثلة بالمناجم وخصوصاً منها المعادن والملح وغنى هذه المناطق بالأرض السوداء الأكثر خصوبة إضافة الى وقوع قسم من أراضي لوغانسك وزاباروجيا على شاطيء بحر ازوف وجزء مهم من أراضي خيرسون على شاطي البحر الأسود إضافة الى جزء من أراضي نيكولاييف ما يوازي اكثر من 50% من كامل مساحة شواطيء أوكرانيا على البحر الأسود .
في تصريح له بتاريخ 30 أيلول / سبتمبر 2023 صرح نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف أن روسيا ستستمر في عمليتها العسكرية حتى القضاء على النظام النازي وستسيطر على أراضٍ إضافية في أوكرانيا كما ستعمل على ضمها .
وفي مقاربة لطبيعة التهديدات التي تتعرض لها روسيا حالياً وبالرجوع الى تصريحات كل من الرئيس الروسي بوتين وتصريحات ميدفيديف يبدو واضحاً ان الأولوية في ضم مناطق جديدة ستتركز على مقاطعتي نيكولاييف واوديسا لسببين :
1- السبب الأول يتمثل في منع أي هجمات صاروخية على شبه جزيرة القرم وتحديداً منها مدن سمفاروبل وسيفاستوبول وجسر القرم وهذا يعني ان السيطرة على ما تبقى من مقاطعة خيرسون سيكون أولوية من خلال عبور نهر الدنيبر مجدداً والوصول الى نيكولاييف ومن ثم الى اوديسا .
2- السبب الثاني له اهداف جيوسياسية هامة وهي حرمان أوكرانيا من الإطلالة على البحر الأسود وتحويلها الى دولة حبيسة خصوصاً ان مفاتيح أوكرانيا الى العالم موجودة على هذا الشاطيء سواء بما يرتبط بالموانيء البحرية او احواض وموانيء أوكرانيا النهرية .
إضافة استكمال السيطرة على خيرسون والسيطرة على مقاطعتي نيكولاييف وخيرسون سيكون من الضروري مستقبلاً السيطرة على كامل مناطق أوكرانيا شرق نهر الدنيبر بما فيها العاصمة كييف والتي تشمل مقاطعات حدودية مثل خاركوف وسومي وتشيرنيغوف إضافة الى مقاطعة دنيبروبتروفسك وغيرها .
والسؤال المطروح بشدة هل ستستطيع روسيا تحقيق هذه الأهداف ؟
والجواب هو نعم لأسباب مختلفة أولها ان حجم الأذى الذي يمكن ان يلحق مستقبلاً بالأمن القومي الروسي اذا لم يتم ضم كامل جغرافيا أوكرانيا شرق نهر الدنيبر سيكون دائماً ومتصاعداً وذلك من خلال إيجاد منطقة نظيفة بعمق يضمن لروسيا عدم المس بأمنها وهو ما اعلنه الرئيس بوتين ومسؤولين روس آخرين ، ومجرد اعلان ذلك يُلزم القيادة الروسية على تحقيق هذه الأهداف عاجلاً او آجلاً .
امّا كيف ومتى سيتحقق هذا الأمر فذلك مرتبط بتطورات العملية العسكرية الروسية لجهة تأكد هذه القيادة من ان الجيش الأوكراني وصل الى مرحلة الإنهاك وبأنه لن يعود قادراً على اطلاق هجمات مضادة لا بل اكثر من ذلك التأكد من القوات الأوكرانية لن تكون قادرة على تنظيم الدفاع بمواجهة الجيش الروسي وهو برأيي يحتاج الى وقت يتراوح بين سنة ونصف الى سنتين خصوصاً ان احتمالات المفاوضات والوصول الى تسوية سياسية غير واردة في المديين المنظور والمتوسط بسبب حدّة الإشتباك السياسي بين روسيا والغرب الجماعي .