العدو يتخوف من اندلاع انتفاضة جديدة

تتصاعد وتيرة العمليات ضد العدو بشكل كبير ومنظم، في معظم مناطق القدس والضفة الغربية، ويقوم جيش العدو بعمليات تصفية ميدانية للفلسطينيين العزل، إضافةَ إلى اعتقال الناشطين السياسيين، ويمارس عمليات هدم للبيوت، ومصادرة لأراضي الفلسطينيين وممتلكاتهم، وتشهد مناطق نابلس وجنين ظهوراً مسلحاً للمقاومين بشكل شبه دائم، كما تشهد الضفة الغربية تصاعداً في عمليات المواجهة والتصدي لاقتحامات جيش العدو، يتمثل بعضها بأشكال مسلحة مثلما يحدث في نابلس وجنين وفي مناطق أخرى بتصدي شعبي واسع، ويشهد تشييع الشهداء مشاركة شعبية كبيرة، وهذا ما يدل على الاحتضان الشعبي الكبير للمقاومة وعملياتها.

وجاءت عملية ظهور مجموعة عرين الأسود، التي تضم كل الفصائل الفلسطينية، لتثبت تأييد الغالبية العظمى من الفلسطينيين للقيام بعمليات ضد العدو، وهو ما يدل على أنّ الوضع الفلسطيني أصبح جاهزاً لانتفاضة جديدة، وقد عرفت هذه المجموعة أن العمل الجماعي هو الوسيلة المناسبة لإقلاق العدو من مقاومة متصاعدة، بدلاً من أن تتصارع فيما بينها، فوضعت جانباً الخلافات الداخلية التي شغلت الفصائل خلال السنوات الأخيرة، وتعيش الحالة الفلسطينية عوامل موضوعية داخلية تدفع إلى انفجار انتفاضة جديدة، فحالة الاحتلال والاعتداءات، وانتهاك حقوق الأفراد والجماعات، تدفع الشعب الذي يتعرض لكل ذلك، للقيام بمقاومة، والحالة الفلسطينية بوصفها حالة احتلال استثنائية معقدة وطويلة، تجعل ضرورة مقاومته مسألة وجود سياسي وتاريخي، لأنّ مهمة العدو الأساسية هي إلغاء الشعب الفلسطيني.

ويتخوف العدو من اندلاع احتجاجات شاملة، و عمليات اطلاق نار، بعد انتشار الأسلحة في أيدي الفلسطينيين، كما تتخوف شرطة العدو من أنّها إذا اضطرت لإعلان حالة الطوارئ في مدن الداخل، أن ينعكس بالضد عليها، لأن آثار ما حصل قبل عامين وما تخلله من “فوضى” عمّت تلك المدن، لا تزال تبعاتها محسوسة حتى اليوم، لا سيما فشل الشرطة في مواجهة تلك الاحتجاجات، وكان تقرير “مراقب الدولة” كشف إخفاقات في تنظيم عمل الشرطة من هيئة القيادة، بالإضافة إلى عدم الاستعداد، والفشل بتزويد الشرطة بالأدوات اللازمة للتعامل مع الاضطرابات في عدة أماكن، ومن هنا جاءت فكرة تأسيس “الحرس القومي”، وتجنيد المتطوعين وقوات الاحتياط، وتدريب العناصر خلال الأشهر الأخيرة، وتجنيدهم في سرايا حرس الحدود.

وكانت رسائل استخباراتية مصرية وصلت إلى أجهزة العدو الأمنية، تؤكد أنّ الضفة الغربية تغلي على صفيح ساخن، في وقت تعلن فيه السلطة الفلسطينية عدم قدرتها على ضبط الأوضاع نتيجة عمليات العدو وتضييقاته الأمنية والمالية والميدانية، ويجد فريق السلطة الفلسطينية نفسه أمام مسار مسدود على صعيد المفاوضات والعودة إليها، فلا بوادر مع “الإسرائيليين” تلوح في الأفق، فيما يستمر الانقسام الفلسطيني الذي ينخر النسيج الاجتماعي والسياسي، ويؤثر بشكل مباشر على الفعالية السياسية المنظمة لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الضفة الغربية، كنتيجة لتواصل التنسيق الأمني الذي لا يرتكز على منع أي عمليات مقاومة ضد “إسرائيل” فقط، بل منع وتصفية أي بنى حزبية سياسية منظمة قد تظهر بالضفة بشكل يبقي الساحة خالية من أي فصيل باستثناء حركة فتح.

إنّ الظروف الممهدة لقيام الانتفاضة الثالثة موجودة، وتزداد يوماً بعد يوم، فطبيعة الاحتلال “الإسرائيلي” الذي لا يريد الاعتراف بأيّ حق من حقوق للفلسطينيين لم تتغير، وقد كان من الطبيعي أن تولد مقاومة فلسطينية، توجت بقيام انتفاضتين شعبيتين عامي 1987 و 2000، والعوامل ذاتها ما زالت قائمة، من سياسات التوسّع الاستيطاني، إلى تقطيع الأراضي الفلسطينية وتحويلها إلى معازل، والضغط على الأماكن المقدسة في القدس القديمة من خلال انتهاكات المستوطنين والتضييق والحصار والمنع، إلى جدار الفصل العنصري، إلى سياسات هدم المنازل، إلى عمليات الاعتقال، إلى تحويل حياة الناس إلى جحيم على مئات الحواجز الإسرائيلية المنتشرة في الضفة الغربية.