جنوب القوقاز، هدف اميركا الدائم

على مدى عقود طويلة ولا يزال جنوب القوقاز يشكّل أهمية كبيرة لأميركا حتى في مرحلة الإتحاد السوفياتي والتي لم تمنع سيطرة الإتحاد السوفياتي على جغرافيا جنوب القوقاز من اطلاق العديد من النظريات وتحديداً منها الأميركية حول أهمية هذه المنطقة وضرورة السيطرة عليها .تلك النظريات التي بينت الأهمية الجيوسياسية للمنطقة على مر التاريخ ، كونها جزء من المحور( الدول الغربية المنتصرة في الحرب العالمية الثانية ) في نظرية القلب لماكندر( احدمؤسسي علم الجيوبوليتيك ) وموقعها الجغرافي السياسي على حافة المحور الجنوبي الغربي ، وفي حالة تماس مع الرملاند ( وهي التسمية التي أطلقها نيكولاس سبيكمان على مناطق لها أهمية إستراتيجية في العالم، وهو يعني بها المناطق البرية البحرية وتشمل فيما تشمل، وسط غرب آسيا وأفغانستان والهند، وجنوب شرقي آسيا والصين وكوريا وشرقي سيبيريا ، وحجته في ذلك، أن هذه المناطق شهدت في تاريخها قيام قوى محلية قوية غزت المناطق الغربية من العالم ، ونجحت في التوغل في وسط وجنوب أوروبا وفي نفس الوقت محذرا من تكرار ذلك في هذه المنطقة ) . (وسبيكمان هو جيوستراتيجي هولندي – أميركي والمعروف بلقب أبو علم الاحتواء ) .في نظرية الإطار القاري لسبيكمان ، تمثل المنطقة ممّر جغرافي يربط ما بين المنطقتين والمنفذ للثروات الجغرافية لدول المحور تجاه دول الرملاند ومن ثم الهلال الخارجي ، وبالعكس أي من دول الرملاند باتجاه الهارتلاند – HEART LAND THEORY* ( *نظرية ماكندر حول قلب العالم ) ، لذلك واصلت الموجات الفكرية بعد النظريات الجيوسياسية القديمة بصمتها في وضع نظريات حديثة تبرز أهمية المنطقة في العصر الراهن ،اذ جاءت نظرية بريجنيسكي استكمالا لتلك النظريات في إبراز الأهمية الجيوسياسية للمنطقة في الاستراتيجية الأميركية –الأوراسية ، وكأساس جيوسياسي للانطلاق في تنفيذ نظريات أخرى تحقق الهيمنة والمصالح الأمريكية في قارة أوراسيا والعالم ، والانطلاق في تنفيذ استراتيجيات جديدة وبدوافع جديد ووفق الأهداف الأميركية والرؤية المستقبلية لمصالحها في العالم .جنوب القوقاز هو منطقة جغرافية على حدود أوروبا الشرقية وغرب آسيا ، تمتد عبر جبال القوقاز الجنوبية يتشكل جنوب القوقاز حالياً من أرمينيا الحديثة وجورجيا وأذربيجان، والتي تُعرف باسم دول القوقاز . تبلغ المساحة الإجمالية لهذه البلدان حوالي 186,100 كـم .يشكل جنوب القوقاز وشمال القوقازمعًا المنطقة الجغرافية القوقازية الأكبر التي تقسم أوراسيا .ما بعد انهيار الإتحاد السوفياتي حصلت العديد من النزاعات نتج عنها تشكل ثلاث بؤر نزاع أساسية وهي اوسيتيا الجنوبية وابخازيا وناغورنو كاراباغ *( *ارتساخ ).وفي حين ان ابخازيا واوسيتيا تعتبر تحت السيطرة الروسية الى حد كبير وهو ما ترسّخ بعد سلسلة من المواجهات مع جورجيا كان لأميركا دور أساسي فيها ، الا انّ مشكلة ناغورني كاراباغ بقيت قائمة حتى العملية العسكرية الأذربيجانية الأخيرة .بتقديري ان كل من جورجيا وأرمينيا وأذربيجان يمكن ان تكون ساحات مليئة بالقنابل الموقوتة ويمكنها ان تفجر الصراع في أي لحظة بالنظر الى طبيعة المتغيرات .بالنسبة لجورجيا وعلى الرغم من امساك موسكو للكثير من مفاصل الحركة السياسية فيها الا ان الوضعية الحالية والتي يمكن ان تنشأ لاحقاً لا تؤشر باتجاه بقاء النطاقين الجغرافي والسياسي بحالة هدوء حيث يتم تداول معلومات حول نية اميركا انشاء قاعدة عسكرية أميركية في جورجيا وهو ما نفته السفارة الأميركية في جورجيا ، الا ان النفي لا يعني انتفاء النية وهو برأيي سيبقى امراً وارداً بانتظار تشكل ظروف مختلفة عن الوضعية الحالية .بالنسبة لأرمينيا فإن بقاء نظام نيكول باشيان المرتبط بعلاقة وثيقة مع اميركا يجعل من أرمينيا بؤرة تفجير دائمة مع روسيا ويشكل عامل مشاغلة وعدم استقرار يضع روسيا في حالة قلق وحذر دائمين .بما يرتبط باذربيجان فإن عودة إقليم كاراباغ الى السيطرة الأذربيجانية سيقلل من حاجة أذربيجان مستقبلاً لموسكو وهو سيكون ايضاً عامل قلق لروسيا ومعها ايران حيث يمكن للتحول الذي حصل في إقليم كاراباغ ان يشجع أذربيجان وتركيا لبسط نفوذهما في بعض جمهوريات آسيا الوسطى .وبذلك تبدو المرحلة القادمة مليئة بالتحديات بالنسبة لروسيا وهو ما يطرح سؤالاً مركزيا : هل ستستطيع روسيا تحويل التهديدات في جنوب القوقاز واسيا الوسطى الى فرصة ، وكيف سيتم ذلك ؟

عمر معربوني | خبير عسكري – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية