سعاده محطة التحول الوحيدة في عصرنا الحديث

سعاده محطة التحول الوحيدة في عصرنا الحديث

هائلٌ  حجم التحول الذي يفصل سعاده عن ما قبله، هائلٌ حجم التحول الذي أحدثه سعاده في مجرى الفكر في سورية والعالم.

   في حركة التاريخ، ترصد التحولات والتاريخ هو جملة محطات، حدثت فيها التحولات الجذرية فشكلت هويته الحركية.

   منذ مئة عام والمثقفون يحتلون الشاشات والصحف ودور النشر، ينشرون آلاف الكتب والمقالات والدراسات والمحاضرات والندوات والبيانات والتصريحات ويطلقون الشعارات، صمّت آذاننا حقاً، أُشبعنا نظريات وتحليلات وشعارات، ويبقى لنا أن نسأل ذلك السؤال البديهي البسيط : ماذا حقق كل هذا النتاج الثقافي وهذه الأفكار لهذا المجتمع؟ أي تقدم حققه لنا في مواجهة مشكلاتنا الجذرية؟ كيف نفسر هذا الزخم الثقافي في مقابل مزيد من الاحتلال والتجزئة والتخلف ؟ .

   الثابت أنه منذ مئات السنين والفكر والثقافة في بلادنا في تخبط، يسودهما التشويش والغوغائية، فكر تائه عن إمساك قضاياه الحقيقية ومقاربتها ومعالجتها و ترتيب أولوياته وتقديم الحلول اللازمة بمنهج علمي.

   في العلاقة بين الفكر والثقافة، عندما تحضر الثقافة يحضر الفكر، هي علاقة مركبة، الثقافة ناتجة عن إعمال الفكر في قضايا الواقع.

   ليس ظلماً ما وصفها به الأمين أسد الأشقر قبل سبعين سنة، وصفها بالثقافة الزائفة، ونحن اليوم نصفها بثقافة خبط عشواء، هي ثقافة الوهم  والفكر المتخبط المشتت، ويبقى السؤال الأهم :ما الذي يحدد المزيف من الحقيقي ؟

   كان الفكر في بلادنا منذ مئات السنين في مأزق حقيقي متعدد الأوجه، أهم عناوين هذا  الواقع :

  1. الخلط  بين الحقائق والأيديولوجيا، فالحقائق تُستقى من العلوم، والذي ينشد الحقائق يعتمد العلوم.
  2. الخلط بين الاجتماعي والسياسي .
  3. عدم ضبط حدود الفصل بين المعرفة وحدودها، حيث تنتفي شروط المعرفة تصبح مُسّلمات.
  4. الفشل في ترتيب الأولويات .
  5. كان فكراً سكونياً قارب الحياة المتحركة بمنهج سكوني، فكلما تغيرت الحياة كلما اكتشف عجز منهجه عن  القدرة على التجدد .

   ليس من المبالغة القول إن سعاده وحده هو الذي أخرج الفكر من من تشويشه وتخبطه وبلبلته، وفتح له أفقاً واسعاً باتجاه قضايا أعمق وأوسع وأكثر اشعاعاً.

   مع سعاده تحددت القضية بوضوح ودقة، وأعاد الفكر ترتيب أولوياته، وتم ضبط حدوده، فلا يخرج عنها، وتم الفصل الكامل بين ما هو اجتماعي وما هو سياسي، بين ما هو ديني وما هو زمني، بين ما هو خرافي وما هو حقيقي، بين ما هو أيديولوجي وما هو حقيقي، بين ما هو لازم وما هو ترف، بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة، بين ما هو اجتماعي وما هو ناتج عن الاجتماعي.

   إذا قاربنا الإشكالية بشكل ملموس فإننا نقول : منذ بداية القرن الماضي واجهت أمتنا أربع  مشكلات كبرى:

   أولاً:  ملف التجزئة السياسية منذ سايكس بيكو ومؤتمر سان ريمو والتي تكرست وأصبحت أمراً واقعاً، وأصبحت بحاجة إلى فكر يتعامل معها.

   ثانياً: ملف الاحتلال اليهودي بشكل أساسي، والتركي والإيراني بشكل ثانوي، وهذا تكرس عام 1948 و1967، فتكرّس هذا الاحتلال وأصبح بحاجة إلى مواجهة.

   ثالثاً: التفسخ الاجتماعي الناتج عن تنوع إثني ديني مذهبي، في إطار غير مساعد على الاندماج والانصهار، فتكرّس إلى بنى منعزلة متصارعة تحكمها الأيديولوجيات التي تفتش لها عن شرعية فكانت هويات قاتلة.

   رابعاً: التخلف الحضاري الاجتماعي الاقتصادي على كل المستويات من أمية وفقر وسوء توزيع ثروات.

   وعندما نطرح السؤال الجوهري : كيف تعامل الفكر في بلادنا مع هذه الملفات؟ نبدأ قبل سعاده بالمرحلة التي سُميت عصر النهضة، ومن أعلامها الطهطاوي وجبران وفرح أنطون وسلامة موسى وأمين الريحاني والدكتور خليل سعاده وشبلي الشميل وغيرهم، وسُميت هذه المرحلة عصر النهضة تمييزاً عن عصر الانحطاط، في هذا العصر عمت الصحافة والكتابة ودخل المسرح وكثرت الترجمة والنشر، ولكن السؤال الأهم: هل كانت نهضة حقاً؟ إذا كانت نهضة حقيقية ما هي البنى الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية أو الفكرية التي انتجتها؟ واضح أنها لم تؤسس لبنى ومؤسسات جديدة تحقق تحولاً نهضوياً، فبقي الوصف “نهضة” أدنى من النتيجة، وهذا طبعاً يحتاج بحثاً معمقاً، هو برسم الباحثين والمفكرين القوميين الاجتماعيين أو المهتمين.

   ما قبل سعادة وبعده، تصدت أربع مدارس لمعالجة المعضلات المذكورة سابقاً، ونصنفها: بالمدرسة اللبنانية، المدرسة العروبية، الماركسية والدينية الإسلامية، أخفقت هذه المدارس جميعاً بتحقيق أي تقدم في حالة المعضلات المذكورة، ويحتاج الاخفاق إلى تحليل معمق لا تتسع له المقالة، سنعرضه في المقالة اللاحقة كي  يتسنى لنا متابعة السياق المنهجي للبحث، لكن يجدر القول إن منها ما قارب الاجتماع البشري بقراءات مغلوطة وقواعد غير علمية وعصبيات عاطفية، منها ما جزّأ التاريح، وواحدة منها جزأت الجغرافيا، اختلط العقلي، فأنتجت صيغ مشوهة أقرب إلى العنصريات الشوفينية منها إلى  الفكر العلمي وإن إدّعت اعتماده واخفقت.

   وبغض النظر عن نقد المضامين الفكرية المغلوطة لهذه المدارس، يبقى أن الأساس هو النتيجة، فقد أخفقت كل هذه المدارس في تقديم إجابات نظرية علمية أو حلول، وبالإجماع فشلت في معالجة التجزئة السياسية والاجتماعية ومواجهة الاحتلال والتخلف إخفاقاً هائلاً.

   نعود إلى موضوعنا بين سعاده وما اختلف فيه سعاده عن السياق العام، يعيد سعاده وضع الفكر على قاعدته الأساسية: هل للفكر واجب؟ هل يتحمل مسؤولية أخلاقية أساساً؟ أهم ما يعيد صياغته سعاده هو تحميل الفكر غاية، ولو سألنا : هل يصح أن يكون الفكر للفكر والمعرفة للمعرفة؟ هل الفكر ترف؟ متعة؟ أو نشاط ذهني؟

      أيضاً من المسائل التي اختلف فيها سعاده عن غيره، هي رفض الخرافات والعواطف الرومانسية والسوريالية والعصبيات الانفعالية والاحكام المسبقة، فكيف تقوم حقيقة مبنية على هذه القواعد؟

   ونتابع مع سعاده فحص المادة التي يتم تعامل الفكر معها وهي التاريخ، والمؤسف أن كل تاريخنا الذي كُتب، فيه من الزور والتحامل والمبالغة والمغالطات، والتشويه منذ بدايته وحتى اليوم كمّاً كبيراً ، هل تنكّب المفكرون والمثقفون مهمة تنقية هذا التاريخ وتحريره وتصحيحه بطريقة ومنهج علمي؟

   عندما كتب الأمين عيسى اليازجي كتابه مآثر سورية في العصر الروماني، قال في المقدمة أني اكتب هذه الدراسة بناء على وعد قطعته على نفسي للمعلم من أن تاريخنا مزور، والمنتصر يكتب التاريخ، هذه قاعدة لا لًبس فيها، وعليه بقي أن نعيد تصحيح تاريخنا، وأهمه أن نكشف الدور السوري  في الحضارة  اليونانية والرومانية والحضارة العربية، وأن المسيحية هي نتاج الثقافة السورية وهذه مهمة ملقاة على عاتق الباحثين السوريين، وهذه مهمة شاقة ومفتوحة، أيضاً إن قيام اليهود بسرقة كامل تراثنا الفكري والديني من رموز وطقوس وأساطير وأناشيد وغيرها، كانت من الأبواب التي فتح فيها سعاده لاستعادة هويتنا المطموسة والمزورة والمسروقة.

في سورية ولدت الألوهة، و في سورية ولدت الحقوق والأخلاق ومفاهيم العدل والخير والحرية وثورات العبيد والمعزق وفن العمران والابجدية، وفي سورية سقط الفكر العنصري مع زينون عندما استبدل الpolis  بال cosmopolis فالإنسان أخُ الإنسان بالإنسانية، ومع الناصري أعاد الخط الفكري السوري العملي المناقبي إلى سياقه، بعد تحريره من التشويه اليهودي.

   بالعودة إلى موضوعنا، لقد كانت معظم الثقافات التي حضرت إلى بلادنا كناية عن نسخ ونقل واستنساخ، بمقولاتها ومفاهيمها ونظرتها إلى الحياة، فلم تتقدم بنا خطوة واحدة لا بل زادت من تشويشنا وتخبطنا، استوردنا أفكاراً خالصة ونسخنا مفاهيم جاهزة ورحنا نطبق حلولاً لغير مشاكلنا، لنأخذ مثلاً الليبرالية، وهي وليدة الفلسفة الفردية التي تقول بحقيقة وجود الفرد، وأن الفرد غاية الوجود، وأن الحرية هي حرية الفرد، وأن  القيم فردية، وعليه دفعت نحو  تكريس حق الفرد وتكريس قيمه والمساواة بين الأفراد، واعتمدت الديمقراطية كنظام أشكال يكفل تحقيق حق الفرد والمساواة، لم يرد سعادة على الليبرالية من داخلها ، بل رد من خارجها، رد على النظرة بنظرة . .

   قام سعاده بقراءة معمقة للاجتماع البشري الطبيعي منذ نشوء الكون، ورصد التشكل الاجتماعي منذ بداياته وراح يتابع البنى الاقتصادية والاجتماعية المرافقة في كل التحولات وصولاً إلى عصره عصر القوميات، فبانت طبيعية الاجتماع البشري، وأنه صفة ملازمة، في مقابل الفلسفات الأوروبية التي تعاملت مع المجتمع على أنه شأن اصطناعي، فأكد أن الوجود الحقيقي الطبيعي هو الجماعي، وأن المجتمع أسبق من الفرد، وأن نشوء شخصية الفرد مسألة لاحقة في التاريخ البشري، وأنه إمكانية اجتماعية، وعليه فغاية الحياة هي المجتمع وأن قيم الحق والحرية والمساواة هي قيم اجتماعية، وأن حق الفرد هو في منظومة حق الجماعة وأن المساواة المطلقة بين الأفراد مسألة غير صحيحة، واعتبر أن الديمقراطية التمثيلية التي إعتمدتها الفلسفة الفردية غير صالحة لتحقيق نهضة، في أعلى درجات الأشكال السياسية التي قامت عليها الديمقراطية وهي الانتخاب وتمثيل الإرادة العامة، كان سعاده  يضع إصبعه على الجرح، وهو أن الديمقراطيات التمثيلية وقعت في استبداد الجمهور، يجب تصحيح العلاقة المضطربة، يجب تحرير السلطة من استبداد الجمهور، كيف يمكن  ايجاد أشكال تحقق هذه الغاية؟ أساس الحل هو  التعبير عن الإرادة العامة وايجاد الوسائل التي تحقق هذا التعبير وليس تمثيل الإرادة العامة، والذي أصبحت نتائجه كارثية وخاصة على البلدان التي يسودها التخلف والانقسامات.


   نعود إلى مسألة جدوى القضايا التي يخوض فيها الفكر وإلى سلم أولوياتها، فنسأل :مئات السنين وكمٌ هائلٌ من الجهود التي وضعت في القضايا الماورائية الغيبية ماذا جنت منها أمتنا ؟ ماذا أفادنا كل النقاش المستفيض حول طبيعة المسيح إذا كانت واحدة أو أثنتين، وحول مشيئته وكل الانقسامات والاضطهادات التي بنيت على هذه التفسيرات، وصولاً إلى البحث في جنس الملائكة، هل هذا ميدان الفكر الحقيقي؟ ماذا أفاد كل النقاش الحاصل حول قضايا الروح و قضايا خلودها والفرقة الناجية وأحقية الخلافة بعد الرسول وغيرها؟ هل كانت جهوداً في الموقع الصحيح؟ هل كانت جهوداً ذات جدوى ؟

   عندما انحرف فخري المعلوف وراح يحاول إقناع سعاده بالعقيدة الكاثوليكية وبإمكانية حسم هذه العقيدة، ماذا كان رد سعاده؟ أجابه ما جدوى أن نبحث في الخلود وأمتنا تحترق؟ هذا موضوع قدمت فيه آلاف الحجج، هل ترغب بإضافة  حجة زائدة؟ كان سعاده يعي كيف يعيد توجيه الفكر في كل مرة كان ينحرف الفكر عن خطه الصحيح .

   ثلاث محطات فاصلة في تاريخ علاقة الفكر بالكون والإنسان.

  1. أول محطة، كان الكون موضوع الفلسفة من أين أتى الكون ؟ 
  2. المحطة الثانية، استطاعت فصل الإنسان عن الكون وبالتالي أصبح الإنسان موضوع الفلسفة، وهذا يعود للسفسطائيين كما يقر سعاده.
  3. المحطة الثالثة، جعلت الإنسان الفرد هو الأساس
  4. المحطة الرابعة ، مع سعاده، أعادت تصحيح هوية الانسان الى الإنسان المجتمع . 

    إذا كانت الوجودية قد قامت رداً على الفكر الشمولي وتفريغ الأنظمة الشمولية، فدفعت بالإنسان الفرد إلى الواجهة، فإن القومية الاجتماعية تكتسب قيمة بنقدها للفلسفة الوجودية عبر نقدها للوجود الفردي وإعادة صياغة هوية الانسان المجتمع الأتم : الأمة.

   من النتائج السلبية التي سببتها النظرة الفردية هي الأساس التي قامت عليه : أن الغاية تبرر الوسيلة فكانت أسوأ نموذج بنتائجه الكارثية مع سعاده أصبحت الغاية الشريفة تلزمها وسيلة شريفة .    

   من أهم المسائل التي تعرض لها سعاده هي أنه ربط الفكر بغاية نبيلة، غاية إنسانية اجتماعية أخلاقية، هي رقي الحياة، ولادراكه العميق بطبيعة الحياة الحركية، كان سعاده دقيقاً في الابتعاد عن مفاهيم الحتمية والنهائية، فتحول الفكر مع سعاده إلى قواعد ومنهج في التعامل مع واقع متغير بحقائق علمية، وهذا ما أكسب الفكر القومي الاجتماعي قابلية التجدد، فكر سعاده فكر علمي حركي طليعي، لا يمكن أن نقارب الحياة بفكر سكوني، هذا ما أدركه سعاده بشكل حاسم، ويطل علينا بعض واهمي الثقافة  من المدرسة اللبنانية، بالقول بنهائية لبنان مثلاً، كيف يمكن لفكر أن يتبنى مقولة نهائية كيان سياسي، نهائية حدود سياسية، والمبتدِئ في دراسة التاريخ يعلم مدى سخافة هذا المنطق، غير التاريخ هل هناك حدود سياسية ثبتت في التاريخ؟هل هذا فكر أم أيديولوجيا؟

   عندما وضع سعاده المبادئ، إعتبرها قواعد لانطلاق الفكر، وختمها بأهم مبدأ وهو مصلحة سورية فوق كل مصلحة، هذا هو المبدأ الأخلاقي الذي يختزل كل الأساس الفلسفي للنظرة القومية إلى الاجتماع والسياسة، هذه طبيعة الحزب الحركية بفهم متحرك.

   في عز زخم الأفكار الشمولية و أكثرها قوة وهي  الفلسفة النازية القائلة بالعرق الصافي و بتفوقه و أهليته لقيادة العالم، كان سعاده وحيداً يقول بحزم وثقة أن القول بالاساس السلالي  للأمم هو خطأ، و أن الكلام عن النقاء العرقي هو خطأ علمي، لا يوجد سلالات نقية، الامتزاج السلالي حقيقة  ثابتة لا يمكن دحضها، و يلجأ إلى العلوم لتقديم أدلته، في مواجهة الخرافات كان يخوض بالحقائق، والنازية مستنفرة العلم والعلماء والمختبرات والمؤرخين والاعلام لتأكيد أيديولوجيتها، وسعاده يرد أن السلالات النقية إذا وُجدت فإنها في بعض الغابات في درجة منحطة . 

   في العلاقة المضطربة بين الفكر والدين، بين العقل والدين، أعاد سعاده صياغة العلاقة على أساس مبدأ كان الدين خارج حدود العقل، فسقطت كل المعتقدات الدينية  الغيبية من حيز الحقيقة لانتفاء شرط المعرفة، و عليه فلا جدوى من خوض الفكر فيها لاستحالتها المعرفية، أضف إلى ذلك عدم جدواها العملية، كان دفعاً إضافياً يعيد تقييم كل نتاج الدين والفكر الديني  بطريقة تمنعه من التخبط و البلبلة.

   في إطار الفكر، كان سعاده سباقاً في إخراج المعرفة والفكر من حيز الترف إلى حيز النفع، لا قيمة لكل البناء الفكري إذا لم يتحول إلى حيز إنساني، المعرفة التي لا تفيد كالجهالة التي تضر، مع سعاده أصبحنا نتكلم عن نظام فكر ونظام نهج ونظام أشكال، النهج كما عرّفه هنري حماتي هو الفكر في حيز التجربة الإنسانية، لم يعد الفكر معرفة مستقلة، أصبح نهجاً، أصبح حيزاً إنسانياً، والأشكال الموجودة هي حيز فكري في مجال التطبيق، هي منظومة القيم المتضمنة في نظام الفكر، هي نفسها في نظام النهج ونظام الأشكال المشكلة لتحقيق أغراض الفكر والمناقب.

   من ضمن الإشكاليات التي شغلت التاريخ البشري هي تلك العلاقة المضطربة بين القيم و المصالح، لقد كان صراعاً تاريخياً بين من إنحاز للقيم ومن إنحاز للمصالح، فكان صراعاً على مر التاريخ، وحده سعاده استطاع إيجاد صيغة راقية بين المصالح و بين القيم بنظرة توحدت فيها المصالح بالقيم، فالمصالح هي تحقيق حاجات طبيعية ضرورية، والقيم ضمانة هذه المصالح، كان الفكر البراغماتي يقول : الغاية تبرر الوسيلة، أما مع سعاده أصبحت الغاية الشريفة يلزمها و سيلة شريفة.

   ويتفرع عن هذا الموضوع، موضوع العلاقة المضطربة بين المعرفة وحصراً العلوم، وبين الأخلاق أمام سطوة المعرفة المتحررة من القيم، أصبحت الحياة متوحشة، وأصبحنا نعيش في عالم متوحش، إن الرأسمالية المتوحشة التي تخلت عن الإنسان كقيمة وتحولت نحو الرأسمال أو الثروة، أصبحت جامحة خطرة على البشرية نفسها، مع سعاده القيم هي غاية الحياة والمعرفة والعلوم تحكمها الأخلاق لتحقيق غاية شريفة.

   نعم هائل  جداً حجم التحول الذي أحدثه سعاده، ومثيرة جداً المواضيع التي تحتاج إلى توضيح كيف حقق سعاده خرقاً فيها، وخاصة الاقتصاد والأدب والفنون والدولة وفلسفة التاريخ وغيرها، كلها مسؤولية الفكر القومي والإعلام القومي.

   لم يكن زعيماً لحزب بالمعنى التقليدي، لم يكن مفكراً فقط، لم يكن فيلسوفاً ، لم يكن سياسياً، كان نقطة  التحول الجذرية في تاريخ أمتنا الحديث.

ابراهيم مهنا

One thought on “سعاده محطة التحول الوحيدة في عصرنا الحديث

Comments are closed.