منذ بداية الانهيار الاقتصادي في لبنان، هناك شكوك تحوم حول حماية المقاومة للنظام اللبناني الذي بات مهترئًا غير قابلٍ للاستمرار أكثر. مؤسسات باتت على الأرض، وباتت معها هيكلية الدولة المتآكلة في المصاف المفكّكة العاجزة عن الإنتاج. مشهد التفكّك هذا تشارك المقاومة أحيانًا في ضربه، وأحيانًا أخرى في منحه أسباب الصمود.
في تفصيل المؤسسات، نرى بأن أغلبيةً ساحقةً من القضاء اللبناني تتبع بقرارها وربّما بتعييناتها وأداء عدد كبير من وجوهها إلى القرار الأميركي. بعض الأجهزة الأمنية ليست بعيدة عن جو القضاء في مسايرة، وربّما أكثر من مسايرة، الأميركيين وسفارتهم في بيروت. المصرف المركزي والمؤسسات المالية وجمعية المصارف لا داعي لتصنيفها، هي التي ربطت النظام اللبناني برمّته فيها، وربطت قرارها بالدولار!
هذا النظام وهذه المؤسسات، التي وجدت نتيجة اتفاق أميركي فرنسي سعودي، وضعتنا جميعًا في حضن الولايات المتحدة. السفيرة الأميركية شريكةٌ في القرارات القضائية والمالية والأمنية والسياسية وباتت ترسم حتى السياسة الإعلامية.
أتى الفساد، ومعه سياسات اقتصادية عشوائية، لترمي باللبنانيين في سلال الانهيار، ليأتي الأميركي من بعيد ويلوّح لنا بحلولٍ يستعدّ هو لنسجها، وتسوّق لها جهات ومنها الحكومة اللبنانية على أنها حلول ناجعة ووحيدة!
التفاوض مع البنك الدولي والانصياع لشروط صندوق النقد ما هي إلّا معابر تركيع جديدة للبنانيين، لنصل إلى مفاضلة لا نريدها نختار فيها بين الجوع والتطبيع، وبين السيادة والانتداب، وبين فلسطين و”اسرائيل”. يُدخلون في مفاهيمنا منذ 17 تشرين، وما قبل 17 تشرين، مفهوم التطبيع أو الجوع، أي الصلح مقابل الغذاء!
أيستأهل هذا النظام أن نحميه؟ سؤال عميق إجابته الطبيعية هي “بالطبع لا”.
استمراره بالإنهيار يعني أنّنا نمر بمرحلة من إعادة تأهيل المجتمع/الدولة/المؤسسات أو ما يُعرف في ثقافتهم بالـRenovation، وهو ما نحتاجه بالفعل.
إعادة بناء النظام من جديد، قد يكون عنوانًا سهل المنال كتابةً ولفظًا، ولكن مستحيل التطبيق.
اتفاق الغاز اليوم، ورغم أنّه حصل بشروط لبنان، ولكنه يؤسس لمرحلة من الهدنة لم ولن يقبل الأميركي فيها بالخسارة. يريد أن يشاركنا مقدّراتنا وفعل، هو الذي يملك نسبةً كبيرة من شركة Total الفرنسية. يريد أن تبقى يده داخل النظام فاعلة، وسيبقى. سيبقى لأن اتفاق الغاز ثبّت وجود النظام.
قد يكون اتفاق الغاز حاجةً لأوروبا، وقد يكون مفيدًا للبنان على المدى القصير، ولكن الأكيد أنّنا بحاجة لتغيير شاملٍ في نظام بات يطبّع ويجوّع ويركّع ناسه، ونحميه نحن!
وبما أنّ البلاد دخلت رسميًا لا فعليًا مسار انتخاب رئيسٍ جديد للجمهورية، نعلم تمامًا أن انتخابه يرتبط ارتباطًا وثيقًا باتفاق الغاز، وهنا لم يضع محور المقاومة بعد أي معايير، ولم يتبنَّ أي مرشّح. رئيس يعيد التوازن مع الجموح الأميركي في البلد، لا سيما في مرحلة إعادة النهوض الاقتصادي، وتوزيع مغانم الغاز. رئيس يفرض استقلالية القضاء ومعه استقلالية باقي المؤسسات.
ولكن إن سارت الأمور كما سارت في معظم الملفّات السابقة سيأتي الأميركي للبنان برئيس كغلاف الهدية الجديدة، عندما تُزيل عنه “الريبون” يتمزّق وتنفضح هشاشته، ولنا بميشال سليمان عِبَرٌ لا تزول!
ماهر الدنا