يسرّني أن أكتب لك هذه الرسالة تعليقاً على مقالتك المؤرخة27ايلول في موقع 180post والتي تطرقت من خلالها الى الأمل الذي يحدوك لقيامة هذا الكيان من جديد، ونحن نشاركك الأمل ونسعى مع الساعين لجعل الامل واقعاً .
في البداية يحسب لك مقاربة المسألة بشكلها الموضوعي بعيداً عن المهاترات الاعلامية السائدة في يومنا هذا والتي لا تغني الفكر بل تخندقه وربما تلغيه لصالح الشحن الذي لا يوصل إلا الى صراعات دامية تعيد إنتاج الحروب الاهلية .واستطراداً، لفتني استخدامك تعبير كيان بدلاً من تعبير الامة للدلالة على لبنان وهذه مسالة علمية بامتياز .
بالطبع لن أتطرق الى جميع النقاط الواردة في مقالتك، لكن النقاش سيدور حول نقطتين اعتبرتهما التعابير المفتاحية التي تشكل عندك قناعات راسخة محاولا اخضاعها لعمل العقل باعتباره الشرع الاعلى:
انطلاقاً من قولك “لبنان بفكرته ككيان جغرافي تمارس فيه الحريات العامة والخاصة الفردية منها كما حريات المجموعات وخصوصياتها الثقافية، التفاعل بين الثقافات وتيارات فكرية مختلفة ، لا يزال ينبثق من جديد ويصارع التحديات ، وتقف امامه الايديولوجيات عاجزة”.
وهنا لا بد من التساؤل، يا صديقي، هل ما تتبناه هو خارج عن الايديولوجيات المتداولة؟ ام انها ايدولوجية من ضمن هذه الايديولوجيات ؟ متمنياً ألا نكون قد وقعنا في مرض الايديوفوبيا ” الخوف من الايديولوجيا ” رغم استخدامك لتبريرات ومنها العجز الايديولوجي على سبيل المثال. وانت تعرف تماماً ان الايديولوجيا تقوم على التبربر . وقد يكون كلام انطون سعادة باعتباره لبنان ” نطاق ضمان للفكر الحر ” هي عندك للدلالة على العجز الايديولوجي.
لا يا صديقي ، ان قراءة انطون سعاده تختلف عن قراءة اي مفكر آخر. فهنا كلام سعاده يتعلق بالدينامية الثقافية في لبنان ، تماما كما كانت “نصيبين” مركز اشعاع في مرحلة دولة اسلامية الطابع . ومثل هونغ كونغ كدينامية اقتصادية بالرغم انها ارض صينية . اي انها تتعلق بالفاعلية على ارض استاتيكية لا تتغير . وهذا لا يجعل منها امة مستقلة في حيز جغرافي مختلف .
فالجغرافية مسألة اخرى تتعلق بميزات الارض والموقع والحدود ألخ ، ليست موضوع بحثنا الان . لكن ساسوق مثلا للدلالة ليس اكثر . فاذا كنت من زحلة مثلا على ارض زحلية هذا لا يعني انك لست من لبنان . الم يقل جبران خليل جبران انه لبناني من سورية وبمثله قال امين الريحاني وشكري غانم وغيرهم وغيرهم . والجغرافية على اهميتها هي عامل اساسي في تحديد ماهية الامة ، ولكنها ليست المحدد الوحيد، بل تقترن مع فكرة المتحد الاتم اجتماعيا .
وفي عودة للمبررات الاخرى التي ادرجتها في النص لتدعيم فكرتك حول العجز الايديولوجي , قولك ان حزب الله قد غير استراتيجيته للتعاطي مع الواقع اللبناني ,رغم انك استخدمت في البداية تعبير التكيف ، وهو تعبير اقرب للواقع ,فالتكيف بهذا المعنى هو مسألة تكتية بينما التغيير هو مسألة جذرية . فعندما استدعت الحاجة للدفاع عن الكيان ذهب مباشرة الى العمق الاستراتيجي وقاتل في حلب شمالا وفي درعا جنوبا كما في الوسط وكذلك فعل الحزب القومي مع فارق الامكانيات المتاحة ، وكما فعل العماد عون سياسيا بذهابه الى “براد” تأكيدا على العمق المشرقي الذي يدعم ويحمي لبنان .
لن اطيل في هذا الموضوع كي نبقى في الاطار المطروح تعميما للفائدة المرجوة من النقاش . غيران هناك تعبير اوقعني في حيرة استخدامه وانت مدقق ماهر في التعابير، الا وهو “قومجي ” ، تعبير قديم يعود لزمن الانغلاق ولا يعبر عن حقيقة . فاذا كان استخدامك له منحوتاً من كلمة قومي اجتماعي فلا بأس ، لكن لا ينسحب على القوميين العرب الذين شملتهم ايضا . اما اذا كان على وزن “دكنجي ” فهو لا ينطبق على الحزب القومي . لان الحزب القومي لا يبيع ولا يشتري يكفي ان نذكر باستشهاد سعادة ثمنا لثباته وثبات مبادئه والاف الشهداء الذين ساروا على دربه ، وان الحياة وقفة عز هي الخبز اليومي للقوميين على امتداد الامة .
في الختام ، اشكر رحابة صدرك ، يكفي انك ذكرتنا بالزمن الجميل زمن الكلمة بدلا من المدفع والحوار بدلا من المعارك العسكرية .
الأمين وليد زيتوني