رأي اليوم في الحزب والقومية الاجتماعية

في البحث عن أسباب التعثر، يتوجب علينا أن نفكر، وأن نبدأ التفكير من اللحظة التي رحل فيها سعاده. أهم ما ينبغي التفكير فيه هو نوع وارثيه من البشر، مدى نُضجهم ووعيهم، وطبيعة سلوكياتهم وتصرفاتهم، وعلاقاتهم البينية، وكذلك درجة قدرتهم على فهم واستيعاب ما أنتجه أنطون سعاده من فكر ونظريات في الأمة والدولة، ونقله، أو ترجمته، إلى وقائع ملموسة مُمارسة في الحياة.
أظن، أن ما كان، هو فجوة معرفية كبرى بين سعاده ووارثيه، كرست الفجوة إنقطاعًا معرفيًا بما صدر عنه، وبما سيصدر عنهم، برحيله انقضى عهد “النبي” وبدأ عهد “المشايخ والخوارنة”. النبي يُغيّر يُبدع يقلب، يولّد نظرات جديدة ولو مُخالفه لنظراته السابقة، المشايخ والخوارنة لا يغيّرون شيئًا، يجمدون الزمن ويتبعون الصراط.
لقد مات فيلسوف الأمة السورية وفيلسوف الأمم، فانقطعت المعارف الجديدة والنظرات الجديدة إلى “الحق والخير والجمال” وابتدأ عهد التكرار والإعادة والتفسير والتقليد (أحدهم حتى أنه نسق شخصيته وسلوكه ليتماهيا مع شخصيته).
إستمرار، لكن لا يوجد فيه، نور وتقدّم، والتفسير غالبًا ما اعتراه نكوص إلى معارف ما قبل سعاده، تفسير تراجعي غير تقدمي، وغير مُحايث للتطور….
تصوري أن كل ما حصل لاحقا هو تداعيات لتلك اللحظة المظلمة والحزينة في التاريخ.
على كل حال، وصلنا الآن إلى هنا، كنا في 1949، نحن الآن في 2023، اضطراب كبير، تشلع، تفكك، وغيرها الكثير… ولكل منا حكاية طويلة مع الحزب، وكلنا الآن يُفكر في الحزب، والتنظيم والانقسام، وسرديات ومرويات وحكايات، الفوضى تأخذ مداها…
علينا جميعا أن ننتبه، ومن لم ينتبه عليه أن ينظر قليلًا إلى الوراء لينتبه، علينا جميعًا، وعلى اختلاف تقييماتنا للمراحل وللأشخاص وللمواقف، أن ننتبه إلى أن ما حصل في 13/9/2020 كان وما زال يشكل فرصة كبرى لإعادة تكوين الحزب وبنائه من جديد، الصخرة الكبيرة المانعة للقيامة أزيحت، إنها سانحة تهيأت ويجب إقتناصها.
عوضًا عن الاستمرار في أي تردد، يجب أن ينصب الآن التفكير على إعادة بناء الحزب، ومن ثم التفرغ لإحياء “القومية الاجتماعية” في داخل الحزب وفي الثقافة العامة للشعب.
خمسون عامًا و” القومية الاجتماعية” غائبة.
ما بالنا أنسينا القومية الاجتماعية، وقد أفسحت لها مُنافستها ” الإشتراكية العلمية” الطريق وأخلت لها المكان بعد انهيارها المدوي؟
القومية الاجتماعية ليست حزبًا سياسيًا، ولا جماعة سياسية، القومية الاجتماعية “فلسفة” ونظرة للحياة، للمجتمع، ولوجود الإنسان ومعناه، فلسفة غير مختصة بالأمة السورية، هي لكل الأمم ولكل العالم، وإذا كانت الاشتراكية العلمية الماركسية، قد فشلت فشلًا ذريعًا في النظرية والتطبيق، فإن القومية الاجتماعية نظام سياسي واجتماعي واقتصادي لم يُطبق بعد ( قد يكون البناء الصيني الحديث أقرب الأنظمة إليها).
تختلف القومية الاجتماعية عن الإشتراكية العلمية المنهارة بأنها تتكئ على الفلسفة المدرحية، فلسفة التفاعل الموحد بينما اقتصرت الاشتراكية العلمية على المادية الجدلية الجزئية، ولم تكن مهتمة سوى بتجاوز الرأسمالية بينما بحثت القومية الاجتماعية في تجاوز الرأسمالية مضافًا إليها تجاوز التجزئة القومية، والآن جميع المراجعات الاشتراكية والشيوعية للتجربة، تصب في مصلحة القومية الاجتماعية.
من سوء طالع “القومية الاجتماعية” أنها نشأت في بلادنا، مبدعها ومؤسسها ليس ألمانيًا ولا فرنسيًا ولا روسيًا، سوري، قومي سوري.
فغابت عن العلماء والمثقفين، عقولهم مستعمرة للأجانب قبل العامة.
عبدالرحمن قوطه
24/7/2023