كيف صنّف سعاده القوميين؟

كيف صنّف سعاده القوميين؟

في الاحاديث والنقاشات التي تدور بين القوميين ، يلمس المستمعون تباينا في وجهات نظرهم حول المفاهيم التي وضعها زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي انطون سعادة .
هذا التباين ناشئ من خلفية ثقافية لكل فرد من افراد الحزب ، فتجد في صفوف الحزب من انهى تحصيله الجامعي ومن انهى الدراسة الثانوية ومن اكتفى بالدراسة المتوسطة وحتى انك تجد في هذه الصفوف من لا يعرف القراءة والكتابة ( وهذا لا يقلل من قيمة ايمان هؤلاء بمبادئ الحزب وبزعيمه ، والدليل يبرز بمدى تأثير بعض هؤلاء الرفقاء على متحداتهم ومواطنيهم بحيث انهم استطاعوا اقناع كثير من المواطنين لينتموا حيث اصبح هؤلاء المنتمون فيما بعد كوادر حزبية هامة ) . فمنهم من انتمى عن وعي ومعرفة وادراك ، ومنهم من انتمى تشبها بوالده وعائلته ، ومنهم من انتمى مقاتلا ابان الحروب ،الخ .
هنا لابد من الاعتراف بأن الوجدان القومي هو ما جمع هؤلاء تحت راية الحزب السوري القومي الاجتماعي والمبادئ التي وضعها زعيمه ، وفي هذا الاطار يوضح سعادة : ” ” إن الوجدان القومي هو أعظم ظاهرة اجتماعية في عصرنا … أما ظهور شخصية الجماعة فأعظم حوداث التطور البشري شأناً ..”- المصدر نشوء الامم – انطون سعادة .
فإذن ، يتميز القوميون بهذا الوجدان الذي تحدث عنه انطون سعادة ، ولكن لماذا تلاحظ التباين في وجهات النظر بين القوميين فيما يتعلق ببعض المفاهيم او في بعض التطبيقات والممارسات الحزبية؟ ولماذا حدثت الانشقاقات بعد استشهاد سعادة ؟
الجواب على هذه التساؤلات يستشفها المطّلع بالاحداث التاريخية التي مر بها الحزب منذ ما قبل عودة الزعيم من مغتربه القسري والحالة الكيانية التي دعا وسعى اليها بعض المنضوين في الحزب انذاك ، الى المؤامرة على اغتيال الزعيم واغتياله فيما بعد ، الى المؤامرة الاقليمية الثانية لإنهاء الحزب في خمسينيات القرن الماضي و الفردية في اتخاذ القرارات انذاك ايضا ، الى ازمة الانغماس في الانقسام بين المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي في العالم ، والى مرحلة الغطس في مستنقع حركة فتح ، وصولا الى الحرب الاهلية في الكيان اللبناني ،وارتباط بعض قيادات الحزب بأجهزة امنية اقليمية الامر الذي ادى الى انقاسامات بدأت فصولها تظهر وتتضح منذ منتصف سبعينيات القرن المنصرم واستمرت حتى يومنا هذا .
لا شك ان جميع ما ذكر ساهم بطريقة او بأخرى في زيادة التباين في وجهات النظر بين القوميين ، فالبعض يدافع عن وجهة نظره بطريقة لا تخلو من العنف اللفظي او الجسدي ، والبعض الاخر يلتزم الانزواء والابتعاد عن العمل الحزبي ، والبعض الثالث ما زال يعمل حزبيا ويواجه شتى المحاولات الانقسامية ، ليتبين لنا ان المعضلة الاساس والمشكلة الاساسية تكمن في طريقة انتماء افراد هذا الحزب !!!
-المتعارف عليه ان المقبل على الانتماء للحزب يخضع لحلقات اذاعية ، وعند انتهاء هذه الحلقات يتم تقديم طلب انتماء لهذا المقبل ، ولكن هل تتم عملبة تقييم لمدى فهم وعمق استيعاب هذا المقبل لمبادئ الحزب ؟
-البعض يرى ان الاشكالية الحزبية هي في رتبة الامانة التي يجب ايقاف العمل بها بسبب العشوائية في منح هذه الرتبة التي سادت في بعض مراحل الحزب واستخدام بعض قياديي الحزب نفوذهم في منح هذه الرتبة لأغراض انتخابية
-احدى اهم المشكلات ابان الحرب الاهلية في الكيان اللبناني كانت في نظرية ” عسكرة الحزب ، وعقدنة العسكر ” التي ادت الى انتماء مجموعات كبيرة الى صفوف المقاتلين والصفوف الحزبية ، ولكن لم يُوَلّى الاهتمام اللازم من قبل قيادات الحزب انذاك لعقدنة هؤلاء المقاتلين ( هذا لا ينفي أن من استشهد دفاعا عن كرامة الحزب او عن الارض قد ارتقى اعلى مراتب التضحية وحقق مقولة الزعيم ” الدماء التي تجري في عروقنا ليست ملكا لنا بل هي وديعة الأمة فينا متى طلبتها وجدتها )
-استمرارية ارتباط بعض القيادات الحزبية بأجهزة أمنية اقليمية أدت الى استقواء بعض من تولوا القيادة ( لدرجة الانانية الفردية واختزال الجسم الحزبي بشخصية واحدة ) وتحقيق مصلحتهم الفردية بمقعد نيابي او وزاري في بعض كيانات الأمة .
الاشكاليات كثيرة والتباينات في وجهات النظر اكثر واكثر وهنا سنورد ما قاله الكاتب توفيق رافع حمدان في كتابه ” سيرة ومسيرة ” : ” أثناء تلبية انطون سعادة لدعوة الشيخ ابو حسن ريدان في عين عنوب الى الغداء سأله الشيخ ابو حسن عن رأيه في القوميين المنتمين ، وهل كلهم على سوية واحدة من الوعي ، والانتماء العقائدي ؟ فأجابه سعادة ” القوميون ثلاثة أقسام ، قسم يدافع عن النهضة بوعي ومعرفة ، وهؤلاء لا يخشى عليهم ، وقسم انتمى ببساطة وعفوية ، وقد يترك هؤلاء الحزب عند اول ضربة ، والقسم الثالث سيكون بلاء الحزب على يديه “
كرأي شخصي ، أشك في مدى صحة ما كتبه توفيق رافع حمدان نقلا عن الزعيم ، خصوصا انني لم اجد ما يثبت هذا القول ، ولكن السؤال الاهم يبقى دائما هل النهضة السورية القومية الاجتماعية هي في بلاء ؟
لنبحث ونناقش وننتقد ونتحاور ، ولنلفظ تابعي الاشخاص والمناصب والمصالح الفردية
لنكن قوميين …