الإتفاق بين الدولة اللبنانية والعدو بما يخص مسألة استخراج الغاز من المربّعات المشتركة بين لبنان وفلسطين بات قاب قوسين أو أدنى.
وبعيدًا من المربّعات النفطية، يُعيدنا قرب الإتفاق إلى المربّع الأوّل، فهل نوافق نحن على التفاوض، وهل يكون التفاوض هنا مقدّمةً للتطبيع مع العدو على غرارِ ما يحصل في محيط مشرقنا؟ أسئلةٌ مشروعة بحاجةٍ لإجابات واضحة.
لأنّ بلادنا، وعقيدتنا، وبقاءنا، مرتبطون بالعداء والصراع ومفهوم الانتصار الحتمي، ولأنّ أي عملية تفاوض هي عملية اعتراف ضمني بكيان العدو الذي لم نعترف ولن نعترف بوجوده، ولأنّ أي تفاوض يعني التنازل عن بقعٍ يملكها لبنان وتملكها فلسطين، لا يمكن لنا أن نسلّم أنّ التفاوض هنا هو انتصار.
وبعيدًا منّا، نحن الذين يرانا البعض متشدّدين في مقاربة قضايا الوجود، هناك من لم يقتنع شكلًا أنّ عملية التفاوض بوجود وسيط أميركي-يهودي يحمل جنسية الكيان المزعوم هي مسارٌ مجدٍ للبنان. وبعيدًا منّا أيضًا هناك من لم يقتنع أنّ التنازل عن الخطّ 29 في بحر لبنان وفلسطين مقابل المطالبة بخط 23 المتراجع هو مسارٌ يضمن حقّ لبنان. وبعيدًا منّا أيضًا، هناك من يشكّك حتّى في قدرة الدولة اللبنانية على استخراج الغاز في ظلّ الصراع الأميركي الفرنسي على غازنا. وليس بعيدًا منّا، نشكّك نحن وآخرون، حدّ اليقين، أنّ طبقة الفساد والإفساد لا يمكن لها أن تمرّر استخراج الغاز دون تحاصصٍ واضح، وسرقةٍ مستترة، وضررٍ أكيد.
بعيدًا من كلّ هذا، سيكون الإتفاق بين الدولة اللبنانية والعدو أمرًا واقعًا بعد أيّام وربّما أسابيع. وإن لم يدخل أي طارئٍ على المشهد، ستحصل الدولة اللبنانية على حقل قانا النفطي، بينما سيُحتسب الحقل المسمّى بكاريش من حصة فلسطين المحتلة، المسيطر عليه من قوات الإحتلال.
الأهم، والذي لم يُطرح حتى الساعة، هو أن تتمكّن الدولة اللبنانية، من تحصيل ضوءٍ أخضر أميركي، يتيح للشركات التي وقّعت معها عقودًا للتنقيب في حقول الضبيه وعكار كبندٍ أساسي للموافقة على الإتفاق مع العدو. وهذا الأمر، ربّما، لن تجرؤ على طلبه وتضمينه في المسار التفاوضي.
حصول الإتفاق هو حاجة فعلية للنظام اللبناني، الذي بات مهترئًا مفكّكًا من داخله يعيش الانهيار في كل قطاعاته. حصول الإتفاق يعني تثبيت وجود النظام، ويعني أنّ مشكلةً نقديةً أساسيةً صارت في طريقها للحل، وهي أموال المودعين في المصارف.
هذا الاتفاق، وفي حال حصوله اليوم، سيعني أنّ رئيسًا للبلاد سيولد من رحمه، ومعه مسارٌ جديدٌ للحياة السياسية. ولكن، ماذا عن المقاومة؟
في مفهوم المقاومة، ليس هناك 29 ولا 23، ولا مسار تفاوض. في مفهوم المقاومة هناك لبنان وهناك فلسطين، وفي ممارستها تدميرٌ حقيقي لسايكس بيكو منذ “الحرب السورية” الى اليوم، فماذا عن الحدود الفلسطينية؟
تقول مختلف دراسات المراكز العبريّة، إنّ الحرب المقبلة بين لبنان وكيان الإحتلال ستجرى داخل الأراضي المحتلة، وإن جيش العدو يبني المنحدرات ويصرف المليارات تهيّبًا للموقف. فإن كان العدو يرى بأنّه سيتخلى عن أراضٍ يحتلّها اليوم في أية حربٍ مقبلة، فلماذا الـ23 ولماذا الـ29؟
في الصراع العام، نحن تنازلنا ونحن مطبّعون، ولكن بعد وقف سريان اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ في 14 آب 2006، سينهار الإتفاق ويعود العدو أدراجه إلى ما بعد الـ29، وهنا تظهر نظرية تقول: لماذا لا نستفيد اليوم من غازنا في البحر ريثما تقوم الحرب الكبرى معهم؟ ببساطة لأنّ لبنانية البعض أنستهم أنّ استخراجنا للغاز يعني استخراجهم لغاز فلسطين في المقابل، وفلسطين ليست ملك سلطةٍ تطبّع اليوم وسترحل غدًا!
ماهر الدنا