“آمنوا وإعملوا وجاهدوا يكن النصر لكم”.

تموز عندنا، هو شهر العطاء والخصب والسنابل الذهبية، هو شهرُ شمسِ الفداء. في تلك الليلة، في ذلك الفجر استردت الامة وديعتها. أثبت سعاده، مجدداً، صلابته، وإيمانه بحقيقة المعتقد: بالحقيقة التي تساوي وجودنا، وبحتمية الانتصار. سعاده، في فجر الثامن من تموز، كما قبله، وبالرغم من الصعوبات كلها، لم يهن، لم يتزعزع ايمانه لحظةً بصحة عقيدته. كان مؤمناً بالانتصار قدراً لا مفر منه. وكان يعلم ان التاريخ سيلعن تلك الحفنة من العملاء، وأن الفكر والحركة الذين اسسهما هما السبيل الوحيد لارتقاء امتنا ووحدتها وسيادتها.
ما طلب من جلاديه في تلك الليلة الا أن يرى عائلته، ليودعها، ويخبرها أن التضحيات في سبيل القضية ستحملها أعباء الحياة من دونه. منعه جلادوه من رؤية زوجته وبناته وكان الاغتيال. ظن الذين انطفأ في وجدانهم لهب الشعور الانساني، انهم باغتياله يغتالون القضية، لكن الاغتيال هذا، وعلى عكس ما كانوا يتمنون ويتوقعون، جاء اثباتاً جديداً لصحتها سبيلاً للخلاص.
في تلك الليلة، ما حَمِّل سعاده السوريين القوميين الاجتماعيين وزر الاخفاق في منع عملية الاغتيال، لأنه كان يعلم مدى حجم المؤامرة. المارد الكبير، المعلم الهادي، الفادي والقدوة، لم يترك مناسبة، وحتى امام رهبة الموت، الا وقدم انموذجاً صادقاً وصلباً يقتدى به.

منذ فجر التاريخ، لم يأت قائدٌ على مستوى الامة، بل على مستوى العالم، يملك المقدرة الفكرية والمؤسساتية الشاملة الكاملة التي حاكت المسائل المصيرية على مختلف الشؤون الحياتية العامة. من قيم الخير والحق والجمال، الى ترقية الحياة وفهم الكون وابداع الفن، الى النظرة الفلسفية المدرحية الجديدة، الى الوجدان القومي الاجتماعي والانسان الجديد الانسان-المجتمع، الى فهم حقيقة هويتنا، الى طرح الحل الامثل للمجتمع الافضل، الى فهم معنى الدين بكل تجلياته وفي مختلف رسالاته، الى حتمية فصل الدين عن الدولة، الى قيام العقلية الاخلاقية الجديدة، الى مفاهيم النهضة وضرورة بعثها شرطاً لتحقيق المبادىء وبالتالي تحقيق الغاية الاسمى.

من خلال فهمنا لسعاده، نحن نؤمن بأن الادارات العامة والاحزاب والمنظمات والحركات السياسية التي تملك رؤى استراتيجية، لا يمكن تحقيق غايةِ عقيدتِها الا من خلال عمل المؤسسات وتفعيل الادارات، التي تدأب، وبشكل جدي، على تحقيق الاهداف العامة، التي تشكل الخطوات الاساسية في صيرورة تحقيق الغاية الاسمى.
بين عمل الفرد وعمل المؤسسات، يبقى النجاح لعمل المؤسسات الذي يأخذ بعين الاعتبار عدة معايير منها تطبيق الحوكمة، والمحافظة على الهدف، ومركزية القرار، وذلك بهدف تنفيذ وانجاح الخطط الاستراتيجية العامة.
إن هذه الخطط المقرونة بجدولٍ زمني، تصبح فيها الانجازاتُ محطاتٍ تسير باتجاه موحد وواضح ومعلن لكل من يعمل في المؤسسة، بحيث تشكل هذه الرؤى دليلاً في مسار الخطوات التنفيذية.

إن الرؤى الاستراتيجية، على أنواعها، لا يمكن أن تكون مجتزئة للشؤون العامة. هذا يتوقف على تأثر هذه الاستراتيجيات بالايديولوجيات التي بنيت على أساسها. بعض هذه الايديولوجيات بنت فلسفتها على نظريةٍ اقتصاديةٍ ماديةٍ بحتةٍ، كالرأسمالية الليبرالية والديالكتية الماركسية، والبعض الاخر بنى ايديولوجيتَه على أساس اللغة او الدين كعامل مؤسس لمبدأ الجماعة، دون أن يخوض في معترك الشؤون الاخرى، إضافة الى نظريات إجتماعية او ثقافية بحتة لم ترتق الى مصاف الايديولوجيات السياسية المتصارعة.
إن ضعف فرص نجاح هذه الايدلوجيات يعود الى إعتمادِ شأنٍ أساسيٍ واحدٍ دون الاخذ بعين الاعتبار الشؤون الاساسية الاخرى.
اما الايديولوجية التي وضعها سعادة، فهي شاملة ومترابطة ومتكاملة، عالجت الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفلسفية كافة.
لذا، اذا تحقق في الايديولوجية عناصرُ نجاحِها، وفي الاستراتيجية العامة التزامها الكامل في الايديولوجية التي بنيت على أساسها، يبقى عمل المؤسسات هو العامل الاساسي الثالث الذي يتقرر على أساسِه نجاحُ تحقيقِ الاهداف الاستراتيجية، وبالتالي تحقيق الغاية المنشودة.

إن حزبَنا اليوم، إيماناً بفكر سعاده، يعتمد استراتيجيةً ملتزمةً وواضحةً، ويعتمدُ على خططٍ عملانيةٍ تمتثل للمعايير الصحيحة، كما يعملُ على تفعيلِ عمل المؤسسات التي اعتبرها سعاده أعظم أعماله بعد وضع العقيدة. في ظل هذا الالتزام المؤمن بصحة العقيدة، أصبحَ الانتظامُ في مؤسسات الحزب واجباً حتمياً، يستدعي توظيفَ وتفعيلَ جميعِ قدراتِنا في آليات العمل، إيماناً منا بانتصار قضيتنا.
هذا ولم يغفل الحزب في خطته الحزبية العامة، شأناً من شؤون العمل النضالي، ففي الوقت الذي انطلقت فيه قيادة الحزب تتفقد نسورنا الابطال في مواقِعِنا في الخطوط الامامية في جنوب لبنان، كانت عمدة الثقافة تُحْي حفلَ توزيعِ جوائز الدورة الثانية من جائزة سعاده الادبية.
إن نضالَنا مستمرٌ، في الميادين كافةً، من مَيدان البندقية المؤمنة، الى ميدان القلم الملتزم، فالسوريون القوميون الاجتماعيون القابضون على الزناد والقلم معاً، يناضلون على كل الجبهات، بدءاً من تخوم فلسطين،الى الوقوفِ جانبَ شعبِنا في الزلزال المدمر والاهتمام الواجب الحثيث بعائلات شهدائنا وجرحانا، الى العمل الثقافي المميز، الى العمل التربوي في إعداد الجيل الجديد، الى العمل الاذاعي واعداد المذيعين ونشر عقيدتنا، الى تنظيم المالية وتحسين مداخيلها من اجل محاربة الحصار المفروض علينا، الى التنظيم الاداري وورشِ عملِ تفعيلِ واعادةِ هيكلةِ الاداراتِ الحزبيةِ، الى بناء الامكانات الحزبية من خلال اعداد وتأهيل الكادر القيادي، في كل الميادين.
ان ما يحدث في حزبنا اليوم هو العمل الجدي على بعث النهضة، يبقى أن يواكب السوريون القوميون الاجتماعيون رؤية وعمل مؤسساتهم الدستورية، ويعملوا بجد، بعيداً عن المماحكات التي تفرض علينا، والتي تستهدف حزبنا وتحاول ثنيه عن دوره القومي الذي لطالما ناديتم به.
اما أولئك الذين تلهوا على جانب الطريق في مصالحهم الشخصية سقطوا الواحد تلو الآخر، وسيسقط آخرون، والتاريخ سينصف الذين عملوا بصدقٍ، وناضلوا مؤمنين في الميادين كافة.
أيها السوريون القوميون الاجتماعيون،
إن انتصار حزبكم منوطٌ بايمانِكم وإرادتِكم الصلبة، بقدر ما تُعطون نقترب من النصر الاكيد الذي لا مفر منه. “آمنوا وإعملوا وجاهدوا يكن النصر لكم”.

نائب رئيس الحزب الأمين ربيع زين الدين