آن أوان إنصاف حبيب
جاءت مقالة البطل حبيب الشرتوني في الإصدار الأول، لمجلة صباح الخير البناء”، بمثابة حجر الزاوية لسياسة هذه المجلة التي آلت على نفسها أن تكون خير معبر عن مشروع الحزب النضالي إلى “ساح الجهاد”.
في مقاله هذا، كلامه العميق عن واقع هذا الكيان المأزوم، الذي سرعان ما يخرج من أزمة حتى تظهر الثانية، فأكد الشرتوني أنه لم يعد من خيار أمام هذا البلد بمقاوميه ووطنييه إلا الصمود والصبر، نتيجة الحصار المفروض، لأن صمودنا هو السبيل الوحيد للحصول على حقوقنا النفطية والغازية”. ويقول :مهما كلّفنا الأمر لا بدّ من الصمود لنتمكن من إعادة بناء بيتنا الداخلي
هي الفلسفة التي ينطلق منها المناضل المقاوم حبيب الشرتوني، وأضحت شعار حياته، كانت ولا زالت كلام زعيمه سعادة.
“أن أنسى جراح نفسي وأضمد جراح امتي البالغة” وهذا ما يطلبه من أبناء وطنه أجمعين، الذين يواجهون حصاراً موجعاً يترك تداعياته على جوانب حياتهم كلها.
إن كلامنا اليوم عن حبيب الشرتوني يأتي ونحن نحيي ذكرى عملية الويمبي وبطلها خالد علوان ومن معه، عام 1982، والتي دفعت المحتل الإسرائيلي للتراجع معلناً هزيمته من خلال مكبرات الصوت، “لا تطلقوا النار إننا راحلون”. الفارق بين العمليتين لخالد وحبيب لا يتعدى العشرة أيام، وكان وقع هاتين العمليتين مدمراً لاستهدافات العدوّ بجعل لبنان واحداً من ملحقات دولة هذا الكيان، مستسلماً مطبعاً… لقد أكدت هاتين العمليتين أن لا خيار بيننا وبين هذا الكيان المحتل لأرضنا سوى معادلة الحديد والنار.
وهكذا أعادت بيروت تميزها، مدينة مقاومة للإحتلال رغم الدم والمجازر وعمليات أسر الأبطال وإعدامهم من العدو وأدواته على السواء، مدينة لا تهاب الموت ولا الظلم ، إلى أن كان فجر التحرير للجزء الأكبر من مساحة لبنان في تكامل بدأته عمليات المقاومة الوطنية واستكملته مقاومة حزب الله.
لبنان المقاوم من أجل ثرواته في الماء واليابسة يخوض اليوم مواجهة قاسية، تستدعي الحفاظ برأينا على المكتبسات الماضية والآنية في المواجهة المصيرية الحاصلة بين لبنان حكومة وشعباً، وبين فئة من شعبنا، للأسف الشديد ، لا زالت تعلّق الآمال على العمالة السابقة ، وتتشدد في إظهار نواياها في الحفاظ على بعض من علاقة مع العدو، قد تكون شعرة معاوية وربما أكثر .
في هذه الأجواء، لا بدّ من مكاشفة صريحة وكلام واضح نقوله لعهد الرئيس ميشال عون، رئيس الجمهورية الذي نعتبره نصير المقاومة وحليفها، وهي بالمقابل سند لبنان في تثبيت مكتسبات يفخر بها العهد.
النقطة السوداء الأساسية بيننا نحن القوميين والمقاومين وكل الوطنيين ، وبين الرئيس عون في عهده هي “قضية حبيب الشرتوني” التي أصرّ القضاء على تحريكها واتخاذ أحكام الإدانة والإعدام له ولنبيل العلم من قبل المجلس العدلي ولو بعد مرور خمسة وثلاثين عاماً على العملية وعلى سجنه (لحبيب) وعلى هروبه من سجنه.
كان ملفتاً دون شك هذا الفعل، أو لنقل هذا الإصرار على المحاكمة لحبيب الشرتوني في عهد الرئيس الذي جاء إلى السلطة بفعل تفاهم مع المقاومة، وتوجهه نحو المسيحية المشرقية خياراً، وهذا نقيض لسياسة آل الجميل وتحديداً بشير الذي انغمس مع حزبه وقيادات مسيحية عديدة بالتعامل مع الاسرائيلي إلى حدودها القصوى، وتحت عنوان، “التحالف مع الشيطان”، كانت عمالة اليمين المسيحي في لبنان بحجة حماية نفسه من الفلسطيني تارة، والسوري طوراً آخر، والمسلم اخيراً.
لقد أنهت محاكمة عون لحبيب الشرتوني، أي مراجعة نقدية يجب أن تحصل لتأريخ تاريخ لبنان، المعتاد على رفع شعار “لا غالب ولا مغلوب”، والدليل، أن كل المؤلفات الصادرة عن تلك المرحلة، ممن واكبوها، وقفت وراء شعار الشيطان الحليف دون أن تعمد إلى اجراء قراءة نقدية تعيد وصل ما انقطع بين أبناء الوطن الواحد وتحدد أسسا يبنى عليها مستفبلا .
وقف اليمين المسيحي المتصهين وراء بشير الجميل وعقل هاشم وسعد حداد وانطوان لحد …الخ. وهم بعض من الأسماء التي أخذت خيار حلف الشيطان، ولم يتوقف الأمر على التحالف وحسب، بل كان هناك انخراط كامل في مشروع جعل لبنان جيباً لإسرائيل من خلال انتخاب بشير رئيساً للجمهورية بترتيب كامل من بيغن وشارون.
المفارقة الأكبر هي أن من قتل هذا المشروع كان ابن هذه البيئة “المسيحية” ، ابن الطائفة ، ونأسف لهذا التصنيف، ولكنه اختلف عنها لأنه آمن بجذوره وهدف إلى مستقبل أكثر اتساعاً وتوحيداً. فحبيب الشرتوني، ابن طانيوس، نظر إلى بلاد أكبر من كانتون “مسيحي”، وأوسع من المدفون الى كفرشيما وأكبر من المتصرفية وهو ابنها.
مشرقي المسيحية هو، مقاوم من أجل نصرة بلاده ووحدتها، علّها إذا توحدت تحمل طموحاته وأحلامه وعلومه وصمود أبنائه بأرضهم ……لم يفكر الشرتوني بغلبة طائفة على أخرى ولا أخافته كثرة عدد طائفة على طائفته ومارونيته، همّه كان أن يعطّل مشروعاً بمطامعه التفتيتية لبلاده .
عندما حوكم الشرتوني، كان وحيداً مثل معلمه سعادة ومن أكثرمن جهة، مرة أولى، عندما لم تضم قضيته الى ملفات الحرب الاهلية، التي طويت بدورها بالعفو العام وحزبه غفل الأمر رغم مشاركته في حكومات ما بعد الطائف.
المرة الثانية في التخلي عنه لدى محاكمته، وقد استمرت سنوات ثلاث واقتصر الأمر على تحركات بسيطة ممن هم خارج الانتظام الحزبي آنذاك.
المرة الثالثة، أيضا، عندما فشل حزبه في جعل محاكمته قضية رأى عام، يقف فيها كل الأحرار ومناصري المقاومة بالمرصاد.
يصح في قيادة الحزب التي واكبت المحاكمة، القول التالي “أن كنتم ضعفاء وقيتكم بجسدي، وإن كنتم جبناء أقصيتكم عني …..”
سقطت كل هذه الاعتبارات في المحاكمة: بيروت المقاومة ولبنان المنتصر ولبنان المحرر لأرضه والمتغلب على أقوى جيش في المنطقة عديداً وعتاداً، وصفته كل الجيوش العربية أنه لا يقهر، فهزمته مقاومة صلبة مؤمنة بالإنتصار. وجاءت المحاكمة لتنقض فعل المقاوم ليصبح جرماً وجريمة يحاكم عليها المرتكب بالإعدام.
حريّ بنا اليوم تثبيت خيارات وعناوين واضحة، اذ لا تستوي دولة المقاومة مع العمالة، ولا يمكن لشعار البطل الذي يقتل العميل أن يتجانس مع شعار الإصرار على العمالة ألا وهو ” بشير حي فينا “.
نريد من العهد الذي نعتبره سند المقاومة وحامي ثروات لبنان، أن يعيد النظر في الحكم على حبيب الشرتوني، وأن يتم التراجع عن قرار الإدانة من خلال عفو يجريه قبل مغادرته القصر، اذ لا يمكن لازدواجية المعايير أن تستمر في أمور وقضايا بهذا القدر من الأهمية ونحن في وطن واحد ودستور واحد، لا يزال يعتبر الإسرائيلي عدو ولا يزال دستورنا يجرم المتعامل مع هذا العدو ….. لم يفت الآوان بعد والشرفاء والاحرار في إنتظار هذه الخطوة .
كوكب معلوف
نتمنى توفير خاصية ارفاق الصور مع التعليق لما لها من سند للتعليق