لا يترك المسؤولون “الإسرائيليون” فرصة، إلا ويؤكدون فيها أنهم لن يسمحوا لإيران بحيازة سلاح نووي، وأن كل الخيارات لديهم على الطاولة لمنعها من حيازة هذا السلاح، وأن إيران من خلال تخصيبها لليورانيوم، تُدخل منطقة الشرق الأوسط في حلقة الخطر، ويتهمونها أنها تخوض ومن خلال حلفائها في المنطقة، حرب استنزاف ضدهم، ويهددون بشن حرب عليها، ولكن هناك سؤال يطرح نفسه هنا، هل تستطيع “إسرائيل” شن هذه الحرب؟
مما لا شك فيه أن قوة إيران وحلفائها في المنطقة تتعاظم يوماً بعد يوم، مقابل تآكل الردع “الإسرائيلي”، فإيران اليوم أصبحت قوة إقليمية عظمى وقوية، تمتلك قوات مسلحة مدربة بشكل ممتاز، وأسلحة متطورة، وصواريخ بالستية، كما أنه لديها تحالفات متينة مع الصين وروسيا، وأصبح لديها علاقات جيدة مع بعض الدول العربية، وبالأخص مع المملكة العربية السعودية، وفي المقابل فإن قوة “الردع الإسرائيلية” قد ضعفت كثيراً نتيجةً لعدة أسباب، فالبيئتان الإقليمية والدولية تتغيران في غير صالحها، مما يدفعها للتفكير جدياً بشن حرب استباقية على إيران بصورة مباشرة، أو على حلفائها في المنطقة، وهي تدرك أنها في حال شنت هذه الحرب، فإنها ستشنها بدون مساعدة أميركية، لأنها تعرف أن أولويات الولايات المتحدة الأميركية قد تغيرت، وأصبح لديها مشاكل أكبر بكثير من مشاكل الشرق الأوسط، واحتمال قيامها بشن عملية عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية يظل ضئيلاً ومحدوداً، في ظل وجود مؤشرات تدل على أن إدارة الرئيس جو بايدن قد تسعى للتوصل إلى إتفاق مؤقت مع الحكومة الإيرانية، يعتمد على رفع جزئي للعقوبات في مقابل تجميد تخصيب اليورانيوم، وهو ما يفرض على “إسرائيل” ضرورة الاستعداد لشن عملية عسكرية واسعة على إيران بصورة منفردة، حتى لو تسببت هذه العملية في اندلاع حرب إقليمية شاملة، وإذا كانت الحرب خياراً سيئاً، فالأسوأ بالنسبة لها أن تصبح إيران دولة نووية.
وهناك عقبة أخرى أمام “إسرائيل” يجب عليها أن تعالجها قبل التفكير بمعالجة الموضوع النووي الإيراني، وهي صواريخ المقاومة في جنوب لبنان، والتي تستطيع أن تلحق بها أضراراً هائلة، ليس فقط في المناطق المأهولة، بل إنها تشكل أيضاً خطراً كبيراً على منشآتها العسكرية والاستراتيجية والمطارات وكل المرافق الحيوية، وبالتالي فإن هذا الموضوع يتطلب القيام بحرب وقائية في الشمال، وبرغم قيام العدو بمناوشات محدودة جرت على مدى الأعوام الأخيرة لم يجرب خوض حرب واسعة مع المقاومة في لبنان، وقد حاول من خلال حربه القصيرة الأخيرة ضد حركة «الجهاد الإسلامي» في غزة، واغتيال عدد من القادة العسكريين البارزين لحركة «الجهاد»، واتصال القمع والقتل اليومي لنشطاء المقاومة المنظمة والعفوية في الضفة الغربية، أن يعود ويمسك بزمام المبادرة والتحكم بالأمور، لكنه فشل فشلاً ذريعاً هذه المرة أيضاً، ووقع مجدداً في فخ عدم القدرة على القيام بتحرك “حازم وناجع”، وهذا ما أضعف ثقة حلفاء “إسرائيل” في المنطقة بها، وأصبحوا يدركون أنها كالبالون المنفوخ والفارغ من الداخل، فأخذوا يتقربون من إيران ويحسّنون علاقاتها معها، ولعل ما قامت به المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج العربي، من استئناف علاقاتها الدبلوماسية معها أكبر دليل على هذا الأمر.
أمر آخر يقلق العدو، وهو أنه باستطاعة إيران أن تستعمل الأراضي اليمنية، كقاعدة لإطلاق الصواريخ الباليستية والصواريخ البحرية والمسيّرات وأسراب الحوامات الهجومية، ومهاجمة السفن “الإسرائيلية” في البحر الأحمر، ما يؤدي إلى تعطيل التجارة بين الكيان الغاصب ودول الشرق الأدنى.
لا شك أن الانقسام حول مسألة إصلاح النظام القضائي داخل الكيان المؤقت، أدى إلى إضعاف تماسك الجبهة الداخلية، وخفّض من جهوزية “الجيش الإسرائيلي”، وأضعف معنويات ضباطه وأفراده، مقابل تعاظم قوة إيران العسكرية، وتعزز القدرات العسكرية لحلفائها في المنطقة.
رغم كل الظروف التي لا تسمح للعدو بشن حرب على إيران، لكنه في حال تجرأ وقام بها، فإنه سيلقى رداً شاملاً ليس من طهران وحدها، بل من جبهات حلفاء إيران، من العراق إلى الشام ولبنان وغزة.