إن شهداءنا يمثّلون أول انتصاراتنا الكبرى، انتصارات معنى الحياة على مجرّد الوجود، انتصارات أنّ الحياة في مبادئها ومُثُلها وغاياتها، وليست في مجاريها الاعتيادية. إنهم يمثّلون أول انتصار كبير لإرادتنا وعزيمتنا على الأوضاع وعلى العراقيل والصعوبات وعلى الإرادات المعاكسة. إنهم سقطوا ليثبتوا، ويثبّتوا حياتنا القومية الاجتماعية، فثبتوها بالفعل، وأثبتوا للملأ أنّ القوميين الاجتماعيين، ليسوا متراجعين عن عقيدتهم وأنهم ماضون ليحققوا آخر غرض من أغراضها وآخر حرف من حروفها، هي عزيمة ليست بمرتدة عن غرضها الأخير، هي عزيمة تطلب الموت متى كان الموت طريقاً إلى الحياة، هي عزيمة قد عبّر عنها شهداؤنا الخالدون.
من أجل ذلك ومن أجل أنّ شهداءنا المذكورون عملوا لمبادئ النهضة القومية الاجتماعية الراسخة وبذلوا نفوسهم في سبيل إحيائها وأعطوا حياتهم كلها لها، من أجل ذلك هم يثبتون بثباتها ثباتاً خالداً – هم خالدون لا يزولون ولا يضمحلون، لأن هذه النهضة العظيمة خالدة.
إنّ المجتمعات البشرية الحية ليست كتلاً من ماء، ليست قطعاً مادية تستعمل، إنّ المجتمعات البشرية الحية هي قوة حياة فاعلة تثبت وجودها وحقيقتها بمراميها السامية وبأفعالها المعبّرة عن نفوسها العظيمة السامية، والمجتمع القومي الاجتماعي هو هذه القوة الحقيقية الفاعلة المثبتة وجودها بإرادتها وبما تشعر في نفسها من زخم يريد أن يبلغ أرقى المرامي وأسماها.
الحزب القومي الاجتماعي هو كما قلت تعبير عن إرادة حياة لا يمكن أن يصدها شيء في الوجود، وهو في جهاده وعمله يعلن حقيقة سامية في هذا الوجود هي الحياة؟ وما هي الحياة؟ الحياة عز وشرف! الحياة ليست سيارات، الحياة ليست مقتنيات!! الحياة الإنسانية هي قيمة عظيمة في نفس الإنسان! هي تعبير عن إنسانيته السامية العظمى! وما هو الإنسان إذا كان مجرّداً من قوة الحياة وجمال الحياة ذليلاً مستعبداً يساق بالعصى فاقداً الإرادة؟ ما هو المجتمع الإنساني إذا كان مجرد قطيع من البشر كأنه قطيع من الحيوانات مجرّد من ذاتيته وحقيقته ووعيه وإرادته الفاعلة.
قد جاهد غير القوميين الاجتماعيين ضد الأجنبي قبل نشوء هذا الحزب وبعد نشوئه. ونحن لا نريد أن ننكر على أحد جهاده، بل نسجل الجهاد وكل دقائق الجهاد وفصوله. نسجل للمجاهدين الذين جاهدوا ببطولة بطولتهم ونسجل للذين جاهدوا بالميوعة ميوعتهم. إننا في الحزب القومي الاجتماعي لم نكن مجرّد مجاهدين ضد الأجنبي، بل كنا خالقي جيل جديد ومشيدي صرح قومية عظيمة، كنا نهضة قومية اجتماعية تقيم الوجود وتبطل العدم.
نحن حزب قتال قبل كل شيء، ومن حيث أننا حزب قتال نحن حزب تفكير في القتال، ونحن حزب رويّة في القتال نملك أعصابنا فلا يستفزنا مستفز ساعة يشاء، بل نسير إلى القتال بإرادتنا ونختار المعركة بإرادتنا نحن لا بإرادة من يريد أن يفرضها علينا، لذلك هان علينا هذا الصبر الطويل في جهادنا ولذلك اخترنا أن نقاتل بآلامنا، حين راينا أنّ الضرورة تقضي بأن نحارب بآلامنا، ولكننا لم نختر الآلام عن جبن بل عن شجاعة وجرأة وقوة. وإذا كنا قد اخترنا الحرب بالآلام مرة فلا يعني ذلك أننا سنبقى على الحرب بالآلام بل نحن نستطيع أن نحارب بغير الآلام. ولكن حربنا لها غاية واحدة هي عز الأمة ووحدتها وشرفها وانتصارها على الإرادات الأجنبية.