الأزمة الاقتصادية توجع الأطفال: عنف يزداد مع ارتفاع الدولار

لا يمكن لأزمة اقتصادية أن تصيب مجتمعًا ما دون أن تؤثّر بشكل كبير على الحالة المجتمعية عمومًا، والعلاقات فيما بين افراده على وجه التحديد. وطبعًا، لا يمكن للعلاقات هذه أن تتأثّر إلا تبعًا لتأثّر الأفراد أنفسهم بتبدّل أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية، ما ينعكس على سلوكهم داخل وخارج البيوت.
وهنا، لا يمكن أبدًا استثناء الأزمة الاقتصادية في ​لبنان​ منذ منتصف تشرين الأول 2019 على السياق المعروض أعلاه. أزمة قلبت حياة الناس رأسًا على عقب مستهدفةً مداخيلهم وقدراتهم الشرائية، لتنسحب بالتالي على أسلوب حياتهم، حيث باتوا ملزمين على التأقلم مع ظروف لم تعشها عائلاتهم من ذي قبل.
هذا الأمر، إضافة للخوف من ​المستقبل​ وما يحمله إليهم من ظروف قد تكون أقسى، ولّد ​حالات​ غير صحيّة في التعاطي بين أرباب العائلات وأفراد عائلاتهم لا سيما ​الأطفال​، الأمر الذي وضع المجمتع أمام واقع بات بحاجة لدراسة، لتشخيص ما يحصل وتفنيد أسبابه والعمل على معالجته، انطلاقًا من أن اقتصاد لبنان دخل في نفق مظلم لم يُعرف حتى ​الساعة​ توقيت وكيفية الخروج منه.

بات ملاحظًا في الآونة الأخيرة ارتفاع حوادث ​العنف الأسري​ ضد الاطفال، وفي التعريف فهو مجمل السلوكيات والنشاطات المهددة لأمن الطفل واستقراره النفسي والجسدي أو استخدام القوة والحاق الأذى النفسي او البدني به من قبل أبويه او أحد المسؤولين عن رعايته. يشمل ذلك الضرب المبرح أو العقاب الجسدي أو السخرية والإهانة المستمرة بحقه أو الاهمال في رعايته الصحية والنفسية والاجتماعية والجسدية أو استغلاله في أعمال تفوق طاقته.

وفي الحالة اليوم يأتي هذا العنف الذي توّلد نتيجة أسباب عدّة من أساس وجودي غريزي (تبعًا للمدرسة التحليلية) او مصدر تنشئة اجتماعية (المدرسة السلوكية). فعادة ما يكون الأب المعنّف قد نشأ في بيئة تتعامل مع العنف ضد الأطفال على انه أمر طبيعي وعادي، إضافةً الى أنّ الطفل الذي يتعرض للعنف أثناء طفولته يكون أكثر عرضة لممارسته في المستقبل.
أمّا لوجود ظاهرة العنف ضد الاطفال أسباب عديدة ابرزها ​الوضع الاقتصادي​ السيئ من حيث الازدياد في أسعار السلع الأساسية، وتدني القدرة الشرائية لراتب رب المنزل، ومشاكل العمل المترتبة عن ذلك الوضع. كل ذلك يرفع من الضغوطات النفسية على الأب والتي قد تؤدي الى عدم قدرته على السيطرة على نفسه، فيقوم بتفريغ ضغوطاته وانفعالاته وغضبه بطريقة سلبية وعنيفة.

يتعرض الأب في هكذا ظروف للإحباط والشعور بالعجز​ والضعف بسبب عدم القدرة على تلبية حاجات عائلته ومتطلباتها اليومية مما يفوق قدرته على التحمّل، ويسبب نوبات الغضب التي تنم عنها السلوكيات التعنيفية لأطفاله. هذا وقد تولّد هذه الظروف سلوكيات لم يكن يعهدها الشخص المعنّف نفسه.

ولهذه الحالات تحديدًا يمكن الاستفادة من استخدام بعض هذه الخطوات:

  • في حال التعرّض للغضب الشديد يُنصح بمغادرة المكان الذي حدث فيه الموقف المسبب والمستفز لمدّة نصف ساعة أو أكثر.

-تنفيس وتفريغ الانفعال عبر ممارسة المشي أو مجالسة صديق مقرّب من أجل الشعور بالارتياح.

-استخدام طريقة العد ببطء أو التنفّس بعمق.

-استخدام ​الخيال​ واستحضار أفكار تدفع على الاسترخاء والسعادة.

وفي حال صعوبة السيطرة على الغضب يُنصح باستشارة معالج نفسي.

بعد الهدوء، يفضّل مصارحة الأب لأطفاله حول سبب العصبية الزائدة مع التطرّق إلى الظروف المعيشية المستجدة والقيام بمقارنات بين اليوم والأمس وطلب المساعدة من أبنائه للتأقلم مع الوضع الجديد من خلال تفهّم تعديل نمط ​الحياة​ عبر الاستغناء عن بعض الطلبات غير الضرورية، وذلك بأسلوب مبسّط يتناسب مع أعمارهم.
ببساطة، لا يمكن للأب أن يتصوّر نفسه في مظهر العاجز، فيسعى البعض القليل نحو تعويض الشعور بالقوّة من خلال استضعاف أبنائهم، فيما يذهب آخرون نحو التعبير بغضب وتوتّر عاليين تجاه مواقف قد تبدو عادية جدًا.
الحل المنطقي يتجسّد بتوعية الطرفين، الأهل والأبناء، لمداراة بعضهما البعض ورفع منسوب التأقلم مع الظروف ​الجديدة​ وأسلوب الحياة غير المعتاد من قبلهم، لتقطيع المرحلة من خلال الحفاظ على الصحّة النفسية للأطفال من جهة وعدم استفزاز الأهل من جهة أخرى.
كل هذا يتبدّد في حال تحمّلت ​الدولة​ مسؤوليتها في الحفاظ على مستوى معيشي مقبول وقدرة شرائية لا تتآكل مع الأيّام ومعدّلات دخل منصفة.