عام على العملية العسكرية الروسية، هل أنجزت روسيا أهدافها؟

يعتقد الكثير من الخبراء في الغرب أن روسيا أقّل خطراً ممّا كانوا يتصورون، والسبب في بروز هذا الإعتقاد برأيهم هو صمود أوكرانيا بفضل الدعم الغربي والروح الوطنية الحاسمة لدى الأوكرانيين وهو أمر يحتاج الى الكثير من النقاش، لأن الوقائع في بعدها الضمني تقول غير ذلك، بسبب انّ ما يحصل بتوصيف الجانب الروسي عملية عسكرية خاصّة لها أهداف محدّدة وليست حرباً او غزواً كما يسميها الغرب.
ولتوخي الدقّة لا بدّ من تحديد ماهيّة العملية في حجمها وتأثيرها من خلال العديد البشري الموضوع لتحقيق أهداف العملية، وكذلك الوسائط القتالية سواء حجمها او نوعيتها.
على المستوى المرتبط بالعديد البشري، لا يتجاوز عديد الضباط والجنود المشاركين بالعملية 450 الف ضابط وجندي موزعين على الشكل التالي :

  • 120 ألف قوات تثبيت وحماية في الأراضي التي سيطرت عليها روسيا منذ انطلاق العملية.
  • 50 ألف قوات دعم ناري موزعين على وحدات المدفعية والصواريخ.
  • 50 ألف قوات دعم وإدارة.
  • 10 ألآف قوات طبابة وتمريض وحرب الكترونية.
  • 220 ألف قوات قتالية منهم فقط 70 الف على الحدّ الأمامي للجبهة و150 الف في النسقين الثاني والثالث بمثابة قوات دعم واحتياط لقوات الحدّ الأمامي.
    في المقابل يحشد الجيش الأوكراني مليون ضابط وجندي منهم حوالي 500 ألف على الحد الأمامي والنسقين الثاني والثالث في حين ينتشر العدد المتبقي على جبهات خاركوف وسومي وكييف وعلى الحدود مع بيلاروسيا.
    من هنا تبرز مسألة مهمّة جداً تخالف ابسط قواعد العلم العسكري وهي افتقاد الجيش الروسي لنسبة 3 الى واحد وهو في وضعية الهجوم وهي ميزة يتفوق بها الجيش الأوكراني ويتم تعويضها من قبل الجانب الروسي بالتفوق الناري المجدي في حالة الدفاع وغير المكتمل في حالة الهجوم والذي يحتاج برأيي الى استكمال التعبئة الجزئية بدعوة ما يقارب 300 الف ضابط وجندي غير الذين تم التحاقهم بالخدمة لتحقيق التكافوء في الدفاع وتحسين شروط العمليات الهجومية الروسية التي تتصف حتى اللحظة بالبطء الى حد كبير.
    انطلاقاً من هذه الوقائع ورغم الخلل الواضح في حجم القوات لصالح الجيش الأوكراني يمكن ايجاز ما تمّ تحقيقه على الشكل التالي:
    1- السيطرة بشكل كامل على جمهورية لوغانسك.
    2- السيطرة على 52 % من أراضي جمهورية دونيتسك الشعبية.
    3- إحكام السيطرة على غالبية أراضي مقاطعتي زاباروجيا وخيرسون
    4- السيطرة بشكل كامل على شواطئ بحر آزوف وتحوله الى بحر روسي داخلي.
    5- السيطرة على 50% من شواطئ أوكرانيا على البحر الأسود وهو الجزء الحيوي حيث يمكن لروسيا بفضل اسطولها البحري التحكم بشكل كامل بحركة الملاحة البحرية.
    هذا على المستوى الجغرافي والذي يمكن اعتباره بالنظر الى حجم القوات الروسية المشاركة بالعملية العسكرية انجازاً كبيراً.
    على المستوى الاقتصادي المباشر فإن الأراضي التي سيطرت عليها روسيا تحتوي غالبية مناجم المعادن والملح الصخري في أوكرانيا إضافة الى مينائي برديانسك وماريوبول في بحر آزوف والتحكم بحركة الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود.
    بالنسبة للزراعة يمكن القول ان غالبية المنطقة الإستراتيجية الزراعية في جنوب أوكرانيا باتت تحت السيطرة الروسية وهو أمر سيؤثر كثيراً في عائدات أوكرانيا مستقبلاً هذا اذا استقرت الأمور على الوضعية الحالية.
    على المستوى الاقتصادي العام تشير الأرقام الى صعود في حركة الإنتاج الوطني الروسي وتحسن كبير في مؤشرات الاستقرار بما يرتبط بالسلع المرتبط بالإستهلاك الضروري للمواطن الروسي إضافة الى استقرار الروبل الروسي عند نسبة صرف غير متوقعة مقابل الدولار.
    غير ذلك يمكن القول انّ العقوبات الغربية ورغم انعكاسها السلبي على الاقتصاد الروسي الاّ انها لم تؤدِّ الى رفع نسبتي التضخم والبطالة وهذا يساعد على السير بالخطط الروسية ضمن أجواء اكثر استقراراً مقابل مشاكل كبيرة يعاني منها اقتصاد الدول الأوروبية وليس فقط على مستويات التضخم والبطالة بل على مستوى تأثر القيمة الشرائية للمواطن الأوروبي وهو ما يمكن تلمسه من خلال الإحتجاجات في اكثر من دولة أوروبية.
    المؤكد ان المواجهة مستمرة ولن تقف عند حدود الوضعية الحالية، وهذا يعني زيادة نسب الدعم لأوكرانيا مالياً وعسكرياً على الرغم من المشاكل التي تعاني منها دول أوروبا مقابل استعدادات روسية قائمة لزيادة حجم ونوعية القدرات العسكرية للانتقال الى مستوى اعلى بمسارات العملية العسكرية حتى يمكن تحقيق أهدافها كاملة، وهذا يتطلب الوصول الى تحقيق سيطرة واسعة على مناطق أخرى في أوكرانيا حتى يمكن اخضاع أوكرانيا واجبارها على الذهاب الى المفاوضات التي وضعت روسيا شرطاً اساسياً لها وهو انطلاق المفاوضات عبر اعتراف أوكرانيا والغرب بالمتغيرات الجيوسياسية الحالية واللاحقة.

الخبير العسكري وخريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية عمر معربوني