ولّى زمن المقايضة.. إلى ساح الجهاد

ثلاثون عامًا من التغييب بقرار، والانكفاء بقرار، والتبعية بقرار، والمقايضة بقرار، انتهت يوم أمس.
العودة إلى ساح الجهاد، أعلنها الحزب السوري القومي الاجتماعي على لسان رئيسه الأمين ربيع بنات، في احتفال الأوّل من آذار الذي أُقيم في مسرح المدينة في شارع الحمرا، الشارع الذي عرفه العالم ساحةً للجهاد الحقيقي في سبيل التحرير، ومسرحًا أخرجت المقاومة فيه جيش الاحتلال من بيروت. عودةٌ طبيعية لمن أسّس حالة المواجهة، ولمن قاد الآخرين من أبناء شعبنا نحو الفعل انطلاقًا من فكرة الصراع.
اعلان “العودة إلى ساح الجهاد” لا يندرج هنا في اطار تسجيل الموقف، بل يُدرج في سياق اعلام عموم القوميين الاجتماعيين ومن يعنيهم الأمر، أن الحزب بدأ فعلًا خطوات العودة العملية إلى ساحات أُبعد عنها نتيجة قرارات من لُفظ من الواقع الحزبي إلى غير رجعة. النهج الحقيقي الذي يسود اليوم، ينعكس تماهيًا تامًا بين القيادة الحزبية والقاعدة القومية الاجتماعية. القاعدة التي قدمت للأمّة العطاء تلو العطاء انطلاقًا من ايمان راسخ بأن وجودها في الصفوف الامامية للمواجهة هو أمر طبيعي تُسأل عنه ولا تقبل بغيره. والتماهي هنا هو تماهٍ تام مجرّد من كل أشكال المصالح السياسية، من دون حسابات داخلية، ومن دون حتى مصالح شخصية. تماهٍ لا تعكّره أساليب المقايضة، ولا اغراء المناصب، ولا يسقط على قارعة المكاسب.
هي عودةٌ بعد “لا غياب”، فلم يغب أحدٌ منّا طوال سنوات عن المواجهة، ولن يغيب، بل غُيّب القرار، والقرار هنا يعني المؤسسة، والمؤسسة تعني الصورة، والصورة أُريد لها في السابق أن تتهشّم، وها هي تُرمّم، ليعود بريقها، كما حين رُسمت وأخرجت خير فكرةٍ لخير أمّة.
ووضوح الاعلان ترافق مع وضوح التأكيد، فكلام عضو المجلس السياسي في حزب الله الوزير السابق محمود قماطي لم يأتِ من فراغ، حين أكّد أن شراكةً تجمع الحزبين في ساح الجهاد، وأنّ دماء شهداء نسور الزوبعة اختلطت مع دماء شهداء حزب الله في الشام، وهذه الشراكة مستمرة اليوم حيث يجب أن تكون، كما كانت قبل تحرير جنوب لبنان وكما كانت بعد تحريره.
رسالة قيادة حزب الله، والتي نقلها قماطي بدقة، عن أنّ القتال اليوم من أجل الأرض ليس الا تجسيدًا لفكر الزعيم انطون سعاده، ليست بالكلام العابر، وانّما هي تجسيد حقيقي لحضور الفكر والفعل القومي الاجتماعي في النضال من اجل تحرير فلسطين.
وساح الجهاد أيضًا لا تنسحب فقط على مواجهة العدو، بل تطال أيضًا تموضع الحزب داخل الكيانات، في السياسة والمواجهة مع مشاريع الهدم والتفتيت. فرئيس الحزب أعلنها أيضًا بوضوح، أن الحزب السوري القومي الاجتماعي لن يقف مكتوف الايدي في معركة مكافحة الفساد في لبنان وعلى رأس مطالبه يأتي اقرار قانون استقلالية القضاء. استقلالية تؤدي فورًا، بحسب منظورنا، إلى تفعيل مبدأ المحاسبة، ومن هناك نحو تدقيق مالي جنائي حقيقي يبدأ بمصرف لبنان ويطال كل الوزارات من المال والطاقة إلى الاتصالات والاقتصاد والاشغال والعمل!
وكون اضعاف بلادنا يتشارك به الفساد مع الحصار، وتندرج تحت سقفه مسألة التقسيم، لن يكون الحزب بعيدًا عن معركتين:
الأولى توعوية حوارية توضح خطر ما عاد لينادي به البعض من فيدرالية وتقسيم، انطلاقًا من دافع الحاجة السياسية الاجتماعية الاقتصادية الوجودية لعدم تقسيم المقسّم.
والثانية هي الاستعداد لثني أي كان عن السوق في فكرة التقسيم على الأرض، وهو دور مارسناه عن قناعة في السابق، وبتنا على جهوزية عالية اليوم لممارسته متى يدعونا الواجب.
ما نادى به السوريون القوميون الاجتماعيون طوال سنوات، وما كانوا يستغربون عدم حدوثه، عاد اليوم ليكون واقعًا: حزبهم إلى ساح الجهاد التي أسسها هو وسقاها دماء شهدائه وعطاءات مناضليه، وما تغييبه القسري عنها سوى حالة من الشواذ أوجد الزعيم أسس معالجتها ومحاسبتها.