ناشطو “تيكتوك”.. لماذا أصبحوا نجومًا؟

عبر التاريخ، انجذب الناس إلى كل ما باستطاعته تغيير حياتهم، أكان من خلال الاختراعات التي غيّرت العالم ، ام من خلال الاصدارات الادبية والعلمية التي أدخلت المجتمعات في صراعات فكرية وحضارية.
في لبنان، نشهد اليوم على ظاهرة جديدة، هي انجذاب جزء ليس بقليل من المجتمع إلى مواد فنية او اجتماعية لا تقدّم اي محتوى فعلي، ولا ترتقي حتى الى معدّل المقبول أكان لجهة المضمون ام الشكل حتى. لماذا وصل البعض إلى هنا، وما هي الأسباب الحقيقية الكامنة خلف تحصيل الشخصيات التي تقدّم هذه المحتويات نسب مشاهدات عالية جدًا؟.
في الآونة الأخيرة برز عدّة أشخاص عبر وسائل التواصل الإجتماعي يقدّمون محتويات فارغة وباتوا عرضة للتنمّر، تحوّلوا مع الوقت إلى ظاهرة على مواقع التواصل الإجتماعي . أغلب الآراء تنتقد و ترفض هذه الظاهرة معتبرين أنها بعيدة عن الفن ولا تملك الصوت الصالح للغناء، لكن أصحاب الشأن أنفسهم نجحوا في جميع الاحوال في خلق بلبلة على مواقع التواصل بعيدة عن التوتر والاجواء المشحونة من السياسة و الاقتصاد .
هذا يضعنا أمام سؤال؛ لماذا يتابعهم هذا الكم من الناس ويشاهدون هذا المحتوى، وفي نفس الوقت يقومون بكتابة التعليقات الساخرة التي تصل الى نسبة عالية من التنمر من حيث السباب والتجريح والاهانة؟.

بدايةً، وبالنسبة لأسباب المتابعة فهي عديدة ومختلفة باختلاف أهواء ومزاج الافراد؛ لكن هناك أسباباً مؤثرة بشكل مباشر منها الاجواء العامة و الاقفال و الحجر المنزلي بسبب كورونا، مما ضاعف نسبة استخدام “السوشيال ميديا” وارسال الفيديوهات و الاعلانات عبر “الفيسبوك”؛ فإنّ المتصفح او المشاهد يساهم بدوره في نشر تلك الفيديوهات من خلال فتح او مشاهدة هذه المواضيع، وعندما تكثر المشاهدات تساعد الآخرين على حب الاستطلاع وكشف حقيقة الخبر الذي استحقّ هذا الكم من الاعجابات والمشاهدات، فالشهرة أصبحت سهلة من خلال توفّر الهواتف الذكية ، والكل أصبح يشكّل بنفسه وسيلة اعلام مكتوبة ومصوّرة، وبات بامكانه صناعة الفارق من خلال محتوى لافت بغض النظر عن أهميّته.
كذلك فان اشاعة أسماء نجوم “التفاهة” هؤلاء اليوم وتناقل خبر عدد مشاهداتهم يولّد فضولًا وحشرية لدى الكثير لمعرفة حقيقة هذه الاشاعة ومضمونها، فتزداد اعداد المشاهدات حتى ولو لم تكن من النوع الدائم والمستمر.
ومن أهم الأسباب للميل الى مشاهدة ما يقدمه هؤلاء هو الوضع الاقتصادي والاجتماعي والصحي الراهن، والذي بدوره سبّب الجو المشحون والمتعب نفسيا، وكوّن حالة من الملل دفعت باللبناني الى الاتجاه المعاكس والمتطرّف، فيما يشبه الفن ودفعه لمشاهدة ما هو ركيك وغريب ومضحك، ومنها الحالات الخاصة التي يحتاجها اللبنانيون في مثل هذه المرحلة العصيبة، فهم بحاجة لمساحة من الترفيه ليخرجوا من حالة التوتر التي يعيشونها ويبتعدوا عن التفكير او مشاهدة ما يذكرهم بالوضع العصيب والصعب بعيدا ً عن أحاديث السياسة والمشاكل الاقتصادية.

على صعيد آخر، توجد تعليقات تملؤها السخرية والتهكّم والتجريح وكله يصب في اطار التنمّر والعدوانية اللفظية. فالعدوانية كما يقول سيغموند فرويد (Sigmund Freud) هي غريزة فطرية عند البشر مسؤولة عن هذا السلوك، تظهر او تُكبت تبعًا لعوامل نفسية او تنشئة أخلاقية، وقد عرّف جيمس باتريك تشابل السلوك العدواني على أنه هجوم معادٍ نحو شخص او شيء، وهو اظهار الرغبة في التفوّق على الاشخاص، ويعتبر استجابة للاحباط كما يعني الاستخفاف بهم والسخرية منهم بأشكال مختلفة.
ويذكر ليونارد بركوفتز Leonard Berkowitz الى ان الشعور بالألم النفسي يمكن أن يحرّض على المزيد من الجوانب الانفعالية وبالتالي امكانية حدوث السلوك العدواني.
كذلك تشير نظرية التنفيس وهي تفريغ او اطلاق المشاعر او الحالات المكبوتة عن طريق التعبير عنها او التسامي بها.

هذا وتشير النظرية إلى ان السلوك العدواني ما هو الى تفريغ للانفعالات المكبوتة لدى الفرد في حين كبتها يؤدي الى حدوث بعض الاضطرابات النفسية والجسدية.
من جهة أخرى هناك نظرية (الاحباط-العدوان)؛ فالاحباط من شأنه ان يسبب منع تحقيق هدف او اشباع حاجة هامة للفرد، وليس من الضروري ان يوجه العدوان نحو من سبّب الاحباط، خاصة اذا كان هذا المصدر قويًا بل يوجّه الى أهداف بديلة، فيتحول تفريغ الانفعال الى هدف آخر. فالاحباط يُحدث حالة من التحريض على العدوان.
كذلك حلل رأي فرويد بان الاحباط يقود للعدوان وعرّف الاحباط بأنه الأثر النفسي المؤلم المترتب على عدم الوصول للهدف.

مما تقدّم يتبيّن أن السلوك العدواني اللفظي (التنمّر) تجاه نجوم “التفاهة” ما هو إلّا تفريغ انفعالي نتيجة احباطات تعرض لها الفرد، فتظهر على شكل تعليق مُهين وجارح تشعره براحة نسبية وتسبب انخفاض بشعور القلق والغضب نسبي أيضاً.
نجوم “التفاهة” اليوم هو المنصّة الفعليّة التي اتخذها بعض اللبنانيين بديلًا عن الساحات لتفريغ كل ما يعانون منه من ضغوط اقتصادية وأزمات حقيقية ومخاوف وجودية سبّبتها الكورونا ، مع العلم أن هذه الأسباب والنتائج يمكن التماسها أينما تتوفّر ظروفها، وليست محصورة باللبنانيين فقط لا غير.

ريما كسر – أخصّائية ومعالجة نفسيّة