في روايات «أهل الأرض» عن الاستيطان اليهودي في فلسطين، انهم اعتمدوا سياسة الكيبوتزات الزراعية والمناطق المقفلة لسكنهم، فيعمدون إلى افراغ الأرض من أهلها متعاونين مع سلطة الانتداب البريطاني آنذاك وتسهيلات مسؤوليه في
سياسة التسييج للمساحات والأراضي التي يضعون يدهم عليها لأقفالها على أهلها كانت سائدة ويبدو انها مستمرة منذ ثلاثينات القرن الماضي إلى اليوم.
في فلسطين وداخلها بدأت القصة، سياسة اقفال الكيبوتزات والان الاسوار العالية لمستوطنات اقاموها، ثم جدار الفصل الذي قسموا الأراضي المحتلة عام 48 ثم ضمت اليها الأراضي التي احتلت عام 67، وكانت سياسة قطع التواصل الحياتي لأهل الأرض مع ارضهم واهلهم ممن بقوا خلف الاسوار العالية والتي رغم الادانات من مؤسسات دولية لم تتوقف ولم تبالِ تل ابيب كعادتها.
هذا في الداخل الفلسطيني المحتل، اما في حدود هذا الكيان مع دول الطوق المحيطة به فقد بقيت السياسة عينها يدفعه شعور العزلة حكماً إلى جانب تثبيت منطق القوة وسياسة قضم الأرض.
على حدوده مع لبنان والتي انسحب منها بعد تحرير عام 2000، بنى العدو حائطاً اسمنتياً على طول الخط الأزرق المعروف بخط الانسحاب الذي رسمته الأمم المتحدة، رغم الخلاف على ثلاثة عشر نقطة، وها هو العدو اليوم بعد حرب «مساندة غزة » يستمر في بناء سور أكبر يقضم عشرات الكيلومترات من منطقة رأس الناقورة إلى بلدة الغجر وبحدود 70 كيلومتراً وفي خرق واضح في يارون كما في النقاط الخمس والتطويق الحاصل لها، وطبعاً تبدو واضحة سياسة القضم لأراضي جديدة.
عند حدود كيان العدو مع الدولة السورية، المنطقة العازلة في هضبة الجولان وتفصل بين الخطوط الامامية مع دولة الاحتلال وسوريا منذ العام 1974، وتبلغ نحو 75 كلم، فقد أعلن العدو السيطرة الكاملة عليها في عملية «سهم الباشان» وبات هذا الموقع الاستراتيجي يتيح له مراقبة مناطق واسعة في الدولة السورية ولبنان، كما في الهيمنة على منابع المياه في كامل امتنا.
مؤخراً في الحدود مع الأردن وعلى طول الحدود الشرقية باشرت تل ابيب كما وعد رئيس حكومتها نتنياهو، بناء سورها والذي هو الأطول، 335 كلم، ويشمل منطقة وادي عربة قرب مطار رامون، حيث تزعم دولة العدو، حماية المطار من الصواريخ. وايضاً «حماية نفسها » بعد العمليات الأمنية التي قام بها اردنيون 2024 فيما تعتبر الدولة الأردنية ان في الامر تخطيا لاتفاقية وادي عربة وأيضا عرقلة واضحة لقيام الدولة الفلسطينية ومزيد من الحصار للأراضي الفلسطينية مع دول الخارج (الأردن) مما يؤدي قطع وريد التواصل بين الضفتين ثم إلى نزوح أكبر إلى خارج نطاق الجدار.
هذه الجدران مزودة بأجهزة استشعار متطورة ونقاط تفتيش عسكرية على بواباتها وحماية بالطيران المسيّر، ويمكن بالتالي وصف ذلك بالتعبير عن سياسة الحماية للنفس، في نسق تاريخي لما يدعى «باضطراب الشخصية الانعزالية» الذي يشعر به الافراد، ودأب اليهود في العالم اجمع على اعتماده تاريخيا في الغيتوات التي طالما عاشوا بها في العالم، في عقلية «الشعب المختار» وعدوائيتهم للعالم اجمع، وها هم وقد جاءوا بالملايين إلى ارض ليست لهم، والى شعب لا يستسلم كيف سيكون حال من يحتل ويقضم ارض الأجداد والاباء؟؟؟
هكذا يقوم العدو بتحويل كيانه إلى «غيتو» مقفل رغم كل مظاهر القوة والتفوق التقني والعسكري الحربي الذي يظهر نفسه به
لقد استطاعت مقاومة هذا العدو ان تجعل منه انساناً مذعوراً، ولم يفلح كل الدعم العالمي ودول الأطلسي والاستعمار الجديد من منحه الشعور بالأمان. ان عنصرية هذا العدو الذي لازمته وخاصة في إبادة اهل الأرض في غزة مؤخراً، دفعت العالم اجمع إلى تذكر صفاته وحقده وانكشاف عنصريته من جديد وبالتالي افرزت مواقف تضامن قوي مع شعبنا وهذا وحده ما دفعه لإيقاف الحرب تحت عنوان اتفاق وقف النار في غزة وجنوب لبنان، ولكن دون الالتزام كليا.
شعور الإفراط في القوة الذي عبر عنه نتنياهو مؤخرا، بإعلانه شبه دولة «إسرائيل» ب «اسبارطة» دولة العسكرة، هذا النموذج الذي يتباهى به قادة العدو اليوم سيكون دون شك أداة لانتهائه وموته، كما اندثرت اسبارطة في التاريخ وبقيت أثينا ويكفي مقارنة حجم الهجرة لليهود من فلسطين المحتلة إلى خارجها، في هجرة عكسية لم تشهدها قبلاً، لنلحظ ان مجتمع الحرب هذا لن يبقى، وان جدران العزل والحصون العالية التي يبنيها العدو حول دولته ولو بقصد القضم لأجزاء من أراضي امتنا، لن تبقيه في ارضنا مهما اشتد ساعد بالعسكرة والدعم الغربي.
اهل الأرض باقون وكل طارئ عليها سيرحل.


